اليمن.. تاريخ من الدماء والدمار، والزمن دوّار
الساعة 12:14 مساءً


طبقاً لكتاب يتيمة الاحزان لتقية بنت الامام يحيى حميد الدين، وزوجة ابن الوزير الذي خلفه في الامامة بعد مقتله، فقد تم التنكيل بهم كأسرة وبعض مناصريهم من الأسر الأخرى بشكل بشع بعد مقتل ابيها عام 48، ثم استدار الزمان في اقل من شهر واحد؛ لينتصر اخيها الإمام احمد ويبيح صنعاء للقبائل التي نهبت أسواق صنعاء، والكثير من البيوت والمساكن، وروعت النساء والأطفال الذين انتهكت حرماتهم لمدة أسبوع من القتل والسلب والنهب الذي تم بنظر الدولة القائمة آنذاك، ثم تنتصر الثورة عام 62 ويهرب ابن اخيها الإمام البدر ومن معه من رجاله وانصاره إلى الجرف، ويتم التنكيل بأسرهم ومعاونيهم أسوأ تنكيل..

بدأت الجمهورية عهدها بالاعدامات والتنكيل برموز نظام الإمامة الذين لم يتمكنوا من الهروب والنجاة، وبعد اقل من شهرين بدأت عملية تصفيات فيما بين الصف الجمهوري نفسه، فتم طرد نائب رئيس مجلس قيادة الثورة ورئيس الوزراء الدكتور عبدالرحمن البيضاني، وخرج بعدها الثائر اليمني القاضي محمد محمود الزبيري لانتقاد ممارسات الثوار، وشكل جبهة تصحيحية دفع حياته ثمناً لها، ثم حصل شرخ كبير مابين مؤيد ومعارض للقوات المصرية الموجودة في اليمن، انتصر فيها الفريق المؤيد بقيادة الرئيس عبدالله السلال وجزيلان ودعم جمال عبدالناصر ودولته، فقمعوا ونكلوا وفجروا البيوت في وضح النهار، وهجّروا زملائهم من الجمهوريين المعارضين لهم، ولفقوا لهم الاتهامات بالعمالة والخيانة ثم قاموا بإعدامهم وسحلهم في الشوارع، وتشرد آخرين في البلاد العربية، بل وصل الحال بوضع القاضي عبدالرحمن الارياني تحت الإقامة الجبرية في القاهرة وسجن ستين من كبار الشخصيات السياسية والعسكرية اليمنية، بينهم الاستاذ النعمان وحكومة الفريق حسن العمري في مصر (سجن الدولة اليمنية كلها)، مدة سنة كاملة وعشرين يوماً من 16 سبتمبر 66م حتى 6 أكتوبر 67م..

 في الخامس من نوفمبر 1967 انقلب القاضي الإرياني على السلال بعد عودته من اقامته الجبرية، وخروج حكومة العمري من سجن عبدالناصر بشهر واحد فقط، لينجو جزيلان بنفسه ويخرج إلى مصر التي لم يعد منها حتى اليوم، ويصبح السلال لاجئاً في مصر حتى صدور قرار الرئيس علي عبد الله صالح في سبتمبر 1981 بدعوته مع الرئيس القاضي عبدالرحمن الارياني للعودة إلى الوطن..!!

 استقالة القاضي عبدالرحمن الإرياني رحمه الله كانت هي الاستثناء الوحيد في تاريخ اليمن، خالية من الدم والثأر والتنكيل به وبأسرته، وهي اول استقالة لحاكم عربي آنذاك، لتبدأ مرحلة الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي رحمه الله في 13 يونيو 1974 بتأسيس الدولة اليمنية الحديثة، ودفع حياته ثمناً لطموحه وجموحه في مواجهة خفافيش الظلام الذين تآمروا عليه وقتلوه وشقيقه بطريقة بشعة، ونكلوا بأسرتهم ردحاً من الزمن، ودخلت اليمن بعدهم مرحلة تصفيات دموية بشعة استمرت طويلاً، منذ تسلم الرئيس احمد الغشمي الحكم إلى مقتله، وحتى بدايات علي عبدالله صالح وصراعه مع الناصريين وغيرهم..

 جولات الصراع والدماء والدمار في الشطر الجنوبي من اليمن قبل الوحدة؛ أشهر من ان اذكرها، واكثر من ان احصيها، وأنكى من ان اوصفها، فهي جولات دامية ممنهجة، وبشعة مدمرة، كانت بداياتها بعد 14 اكتوبر 63 بين الجبهة القومية وجبهة التحرير، وآخرها مجزرة 13 يناير 1986 التي أفرزت الطغمة والزمرة، ولازالت تأثيراتها موجودة حتى اليوم بطريقة غير مباشرة بين الفريقين الخصمين، المهزوم والمنتصر آنذاك، والذي انعكس الحال اليوم فرأس السلطة الآن من الزمرة المهزومة آنذاك؛ والذي فر إلى شمال الوطن عام 86 واستقر فيه ضمن انصار الرئيس علي ناصر محمد، وفي الجهة الأخرى من يدير العبث في عدن وبعض المحافظات الجنوبية المطالبين بالانفصال محسوبين على الطغمة، تبعاً للصراع الجغرافي آنذاك بين ابين من جهة، والمثلث الذي يضم الضالع ويافع وردفان من جهة أخرى.. 

 بعد 22 مايو 90 دخلت اليمن مرحلة جديدة من الصراع الذي كان جمراً تحت الرماد، مالبث ان اشتعل في ماعرف حينها بحرب الردة والانفصال 27 ابريل 94، وماتبع تلك الحرب من نهب وسلب وقتل واقصاء وتهميش وتنكيل منظم ببعض القيادات المحسوبين على الانفصاليين آنذاك الذين نزحوا إلى دول الجوار، ولم يعد الكثير منهم حتى اليوم، والاستيلاء على ممتلكاتهم ومقار احزابهم والعبث بقواعدهم وشق تنظيمهم الاشتراكي وتعيين شخصية استخباراتية لقيادته بنظر الدولة آنذاك..!!!

شكا الاشتراكيين من تلك الممارسات التي قام بها الرئيس علي عبدالله صالح وقيادات حزبه، واتهموا إلى جانبهم؛ عدد من قيادات التجمع اليمني للإصلاح الذين قالوا انهم شاركوا في الحرب ضدهم، ثم تقاسموا غنائمه وبينها مقرات الحزب، ونهبوا ممتلكات قيادته..!!

عام 2003 تم تشكيل اللقاء المشترك، الذي جمع عدد من الاحزاب السياسية اليمنية؛ ابرزها الحزب الاشتراكي وتجمع الاصلاح في مواجهة صالح وحزبه المؤتمر الشعبي العام، وبدأت دورة سياسية جديدة، لكنها خالية من الدماء هذه المرة بين المتحالفين وخصمهم.. 
لكن؛ وبعد سنة واحدة فقط فتحت جبهات عسكرية في محافظة صعدة معقل الحوثيين، شارك فيها الإصلاح ضمن قوات عسكرية يقودها الجنرال علي محسن الاحمر لمواجهة الحوثيين المتمردين هناك، وتم التجييش لتلك الحرب، والتحريض ضدهم من منطلق ديني شارك فيه السلفيين والاصلاحيين بشكل كبير، وتكرر الأمر لستة حروب كان آخرها العام 2010 رغم ماكان يشوب تلك الفترة من حراك وانسجام وانفصام سياسي بين صالح والحوثيين، لاسيما في الانتخابات الرئاسية التي وقفوا إلى جانبه ضد مرشح اللقاء المشترك..

 بعد الربيع العربي 2011 تحالف الطرفين المتحاربين الإصلاح والحوثي ضد علي عبدالله صالح، وشكلوا جبهة واحدة في مواجهته، وبعد المبادرة الخليجية التي استبعدت الحوثيين الذين استعادوا حياتهم القتالية من جديد، وسيطروا على صعدة وحاصروا دماج، ثم تحالفوا مع الرئيس علي عبدالله صالح الذي مهد لهم الطريق ومدهم برجاله؛ فدخلوا عمران ثم صنعاء، وعاثوا في الأرض فساداً ففجروا المنازل والمساجد ودور القرآن والجامعات، ونكلوا بخصومهم وشردوهم، وفعلوا بالاصلاحيين أضعاف مافعله الاصلاحيين بهم منذ العام 2004 وبالانفصاليين بمساعدة صالح بعد 94 مجتمعين، ولازالوا يبتكرون اساليب العبث بحياة خصومهم والتنكيل بهم ونهب ممتلكاتهم إلى اليوم..

في التاسع من ديسمبر 2017 تغيرت المعادلة، وانتهى غرام الأفاعي بين المتحالفين في صنعاء، وقتل الحوثيين حليفهم علي عبدالله صالح ونكلوا بأسرته ونهبوا ممتلكاته وسجنوا ابنائه وطاردوا انصاره الذين خرجوا هاربين بنفس الطريقة التي كانوا يتهكمون فيها على الاصلاحيين بالخروج من صنعاء عبرها، وذاقوا من نفس الكأس الذي تجرعه الاصلاحيين، ولازالوا يعانون حتى اليوم.. 

 المتأمل في واقعنا نحن اليمنيين منذ السنين الغابرة، يرى سيلاً من القصص المعبرة، مابين السيطرة والفشل ومابينهما من عناء وعنت ودماء ودموع وتنكيل وقهر ووحشية وهمجية تمارس ضد الخصوم، وكل من طلع على الكرسي نسي ماذا حصل للذي قبله، وكأن الله قد طمس على قلوبهم فهم لايفقهون، وكأنهم يطبقون المثل الشائع (من تعلى هدش)، أي من ارتفع على خصومه هدشهم، أي قذفهم، سواءً بالحجار او الرصاص والقنابل ومختلف الأسلحة، لافرق.. فإلى متى سنستمر في هذه الدورة العبثية، ومتى سيعود العقل الجمعي لليمنيين ويقولوا حيّ على السلام، ويرفعوا شعار الأستاذ النعمان رحمه الله (السلام قبل النظام).. 

 بسم الله الرحمن الرحيم:
 لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب، ماكان حديثا يُفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء.. صدق الله العظيم

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص

كاريكاتير

بدون عنوان