أحمد حمود مواطن صالح ..أخيرا !!
الساعة 09:44 مساءً


في تلك الليلة هجم علي أرق غريب حاولت النوم بشتى الطرق والوسائل تقلبت في الفراش ، صليت ركعتين وقرأت الأذكار والمعوذات ، غرقت في استغفار متواصل ولكن النوم صار حلما عصي المنال ، يا الله أنا الذي كنت أنام مثل الثور المذبوح خاصمني النوم هذه الليلة تساءلت : 
ماذا أكلت ؟ 
وماذا شربت حتى تغير حالي ؟ 
لا شيء ..
ومضى الوقت وأنا أفكر وأتساءل فلدي في الصباح ست حصص في المدرسة التي أدرس فيها وقبيل الفجر نمت ولم أستيقظ إلا على قرع مدير المدرسة المتواصل لباب غرفتي صحوت مذعورا توضأت وصليت الفجر ولبست ثيابي على عجل وخرجت للقاء المدير وقبل أن أعتذر له عن تأخري النادر سبقني بالحديث قائلا : 
ــ لست ملزم بالتدريس اليوم لقد صدر أمر بنقلك إلى مدرسة أخرى. 
صعقني الخبر واجتاحني شعور بالحزن على فراق هذه المنطقة الرائعة وأهلها وزملائي من المدرسين وتلاميذي ومع هذا فقد صدر القرار وانتهى الأمر وحسبنا الله ونعم الوكيل .
أنا شخص فضولي أحشر أنفي في كل شي وقد حرضت أبناء المنطقة على انتخاب شيخ جديد بدل هذا الشيخ الذي لم يعمل للمنطقة شيئا سوى ما يجبيه من المواطنين من إتاوات وأموال ويأكلها دون مقابل ، حرضت على الشيخ وجاء الرد سريعا نقلي إلى منطقة أخرى والتخلص مني ، حزمت حقيبتي وجمعت أشيائي وأخذت أوراقي من الإدارة وودعت الزملاء ومن لقيت من التلاميذ في طريقي وغادرت بحزن كبير إلى المنطقة التي سأدرس في مدرستها مع أول سيارة مرت بالطريق ولكنني تماسكت وقلت في نفسي : 
ــ ربما أجد المنطقة التي سأذهب إليها أروع من هذه المنطقة ويعوضني الله خيرا في كل شي صحيح ربما كل شي جائز وعموما سأضع في بالي أسوء الاحتمالات وربنا يختار ما فيه الخير .
ومنذ وصولي إلى تلك القرية النائية في أقصى الريف كان أول شي أسمعه هو أحمد حمود تردد هذا الاسم كثيرا على ألسنة الناس حتى أنني ظننت أنه الشيخ الأكبر في المنطقة ولكنني علمت أن الشيخ شخص آخر فدفعني الفضول إلى سؤال سائق السيارة المتهالكة عن أحمد حمود فرمقني بنظرة نارية قائلا : 
ــ أعوذ بالله أعوذ بالله .!!
ــ هذا الرجل شكله ألعن من الشيطان 
رد علي بعد أن تنهد : 
ــ نعم ألعن من إبليس أحذر هذا الرجل يا أستاذ .
وجدت المنطقة قريبة من المنطقة الأخرى لكنها تفتقر للخدمات بصورة أكثر والكل يشكو ويحذر من أحمد حمود .!
ــ يا الله من يكون هذا الرجل النحس ؟!!
دفعني فضولي للسؤال عن الرجل وكل من سألته عنه شتمه وحذرني منه وعلمت في اليوم التالي أن أحمد حمود أسعف بسيارته رجل لدغه ثعبان بعد منتصف الليل إلى أقرب مركز صحي في المنطقة المجاورة ولو تأخر عن إسعافه لمات الرجل فتعجبت كثيرا من قيام هذا الرجل بعمل نبيل كهذا رغم ما يقال عنه ، وبعد بأيام قام أحمد حمود بالصلح بين متخاصمين ولولاه لقامت معركة وسالت الدماء هكذا قال مدير المدرسة الذي لا يكف عن شتم أحمد حمود وسمعت أحد أبناء القرية يقول أن أحمد حمود دفع لأخيه ولعشرة من شباب القرية تكاليف الدراسة بالجامعة في المدينة وعلمت فيما بعد أنه رجل ثري له أعمال خيرية كثيرة عكس ما يقال عنه تماما وفي ذات مساء قمت بزيارة للرجل الغامض فوجدته شخص بسيط ومتواضع رحب بي وضيفني كأنه يعرفني منذ سنوات ، وجهه يوحي بأنه رجل طيب عكس ما يقال عنه ، لم أصبر كثيرا ذبحني الفضول فقلت له : 
ــ لماذا يقول الناس عنك كل هذا الكلام ؟! 
 ضحك ثم تنهد وقال : أسألهم 
ــ سألتهم لم أجد جوابا من أحد 
ـ أنا لا أشغل نفسي بما يقولون عني ولا أبحث عن دعاية وليست لي نية للترشح في البرلمان ولا حتى عاقل المنطقة وأنا رجل بعد حالي أقوم بجزء من واجبي لله ولا أريد شكر من أحد ودعوت الله أن يجعل عملي خالص وكامل لوجهه الكريم .
ذهبت إليه باحثا عن جواب وعدت بلا جواب وازدادت حيرتي وذات يوم سألت أحد زملائي من المدرسين من أبناء المنطقة عنه وطلبت منه الصراحة فقال : 
ــ بصراحة أنا أسمع الناس يقولون عنه هكذا وأعتقد انه رجل سيء.
ــ كيف يكون رجل سيء وكل أعماله خيرية ولم أجد له فعل يعاب عليه ، كيف ؟
ــ بصراحة الشيخ قال أنه رجل سيء أكيد هو رجل سيء .
ــ لكن أنتم لكم عقول تحكمون على الرجل من أعماله مش من كلام الشيخ ؟
رد زميلي مستغربا :
ــ هل نحن أعلم به من شيخ المنطقة بكله ؟!!!
في اليوم التالي ذهبت إلى الشيخ فوجدته يمضغ القات مع مجموعة من الناس تعرف الشيخ علي وسألني عن شيخ منطقتي الذي قال أنه يعرفه وبعد أن أنصرف الناس سألته عن أحمد حمود فأسود وجهه وصرخ في : 
ــ ما دخلك أنت بقضايا المنطقة ؟
ــ يا شيخ الرجل له جهود خيرية ويساعد الجميع وأنت قلت أنه رجل سوء بدلا من شكره تشتمونه ؟!!
ــ هو يشتي يتمشيخ (1) على الناس في المنطقة ولذا يحاول يكسب الناس ويحصل على شعبية 
ـــ هو لا يشتي يتمشيخ ولا يترشح ولا حاجه من التي في ذهنك .
تهلل وجه الشيخ واستنار وقال : 
ــ هو قال لك هكذا ؟ 
ــ نعم قال لي هذا بعظمة لسانه 
ــ تقدر تخرج منه التزام خطي بهذا الكلام وأطلب مني ما شئت 
ذهبت إلى أحمد حمود وكتب بخط يده التزام خطي وبحضور شهود أنه لا يريد مشيخة ولن يترشح للانتخابات وسلمت الورقة للشيخ فطار بها فرحا كأنه نال منصب عمدة لندن .!!
في اليوم الثاني زار الشيخ المدرسة وألقى كلمة في طابور الصباح قال فيها : 
أبنائي الطلاب إخواني الآباء الذين يسمعونني أحييكم بالسلام عليكم وأقول لكم : من لا يشكر الناس لا يشكر الله وأخونا أحمد حمود قد تغير عما كان عليه سابقا وأعتدل وله جهود خيرية وأفضال وأنا من هذا المقام أشكره كثيرا وأشكر كل أهل الخير في المنطقة .
بعد خطاب الشيخ بدأت أسمع الناس يشكرون أحمد حمود ويشيدون بجهوده ، لقد أصبح أخيرا مواطن صالح .!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) يتمشيخ : يصير شيخا على المنطقة

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص

كاريكاتير

بدون عنوان