صندوق بريدي مقبرة!
الساعة 06:30 صباحاً

أغلقت صفحتي لثلاثة أيام. في الحقيقة: هربت من الحقيقة. هربت إلى مارسيل بروست، أندريه بريتون، بلزاك، إلى النصوص الجديدة، إلى موسيقى ما بعد الحداثة، إلى الحقل والشجر، نفذت جلسات عديدة في اليوغا والتأمل، وتعلمت أشياء ثرية عن "الطب الشرقي"، شاهدت أفلاما، وبحثت عن مقاطع مضحكة. وبعد ثلاث ليال من المحاولة ضحكت أخيرا مع الفيلم القرنسي "الزواج"..

المساء هذا ذهبت إلى تويتر، وجدت حرب ليبية. لا يتحدث العرب عن كورونا في تويتر. اليمنيون يواصلون الحرب بلا هوادة. شاهدت تسجيلا لشاب يبدو من لهجته أنه ينتمي إلى شبوة. أراد أن يؤكد انتصار سريته في الحرب، ويوثق اللحظة، قال: اليوم السبت أو الأحد (يصحح رفيقه: الأحد، ويرد هو: متأكد؟). ثم يواصل توثيقه: الموافق مدري والله كم، وصلنا إلى هذا المكان.

الموت ليس شأنا كبيرا في بلادنا. هو أقل استفزازا من الجوع، مثلا، أو العيب، ومن أشياء أخرى تافهة ورخيصة. إن قلت للناس ابقوا في بيوتكم لأن موتا أعمى في الخارج فإنك ستغضبهم، سيسوقون لغضبهم مبررات متناقضة.

سألتني سيدة محترمة في رسالة:
إلى متى سنبقى في بيوتنا.
وقلت لها في ردي:
إلى أن تصابي بالفيروس.

يقول الرهبان "إذا نظرت إلى الخارج فإنك تحلم، وإن نظرت إلى الداخل فإنك تستيقظ". سمعت صوت جوابي بداخلي واستيقظت. إذا لم تكن ثمة من استراتيجية خروج فإن المواطنين الذين التزموا بكل التعليمات، وبكل بسالة، سيصابون فور خروجهم من الحجر! الفيروس باق، ولا يبدي أنه سيتلاشى قريبا. قالت دراسة سويدية قبل حوالي عشرة أيام إن حوالي ٧% من السكان ق أصيبوا بالفيروس. الكلفة كانت هائلة، والوصول إلى مناعة القطيع (إصابة ٦٠% على الأقل) لا يزال بعيد المنال. الموطنون الملتزمون بالإجراءات هك بحاجة إلى استراتيجية خروج آمن يوما ما، وإلا فإن كل مجهوداتهم ستذهب هدرا.

هناك انفجارات بيولوجية متتابعة في الحديدة (بيت الفقيه الحسينية، إلخ)، وقنابل في طور الانفجار في إب، الكارثة طبقات.. قال تقرير نشرته نيويورك تايمز قبل يومين إن الوباء يتسارع عالميا بصورة غير مسبوقة مع دخول أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية في إطاره. نحن جزء من ذلك التسارع، حيث لا استراتيجيات ولا خيال.

وبعدين؟
الآن، وأنا أكتب هذه الكلمة، قالت رسالة "المريض توفي قبل لحظات". مرضى كثيرون تابعتهم حتى الوفاة، آباء أمهات أخوات أقارب وزوجات. قدمت لهم عونا نفسيا ووعدتهم بالشفاء إن هم قاوموا ببسالة. ولكنهم، آخر الأمر، ماتوا

صندوق بريدي مقبرة!

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص

كاريكاتير

بدون عنوان