وترجل القائد الإنسان
الساعة 08:38 صباحاً

وترجل رفيق اخر ، العميد فضل علي حسين ، قرية المقطار ، مديرية االأزارق ، محافظة الضالع ، رحل بصمت يومنا هذا الخميس ، أثر مرض عضال ظل يشكو منه طوال الأعوام الماضية ..

كان أول من استقبلني في اللواء ٢٥ ميكا في منطقة خرز في الصبيحة بعد تخرجي من كلية أوديسا في جمهورية أوكرانيا ، فحين وصلت إلى المكان القفر  في فبراير من العام ١٩٩٠م وجدته مرحبًا ومحتفيًا بالعبد الفقير ، وكأنما القدر بعثه ، لا سيما في تلك اللحظات الكئيبة  .

وقتئذ كان اركانًا لكتيبة مشاة " بي تي آر " ، بينما وجهتي كانت الكتيبة الثالثة دبابات . 
خلال ثلاثة أعوام ونيف عرفته قائدًا ذكيًا وطموحًا ، علاقته بالضباط والجنود سادها الود والمحبة والبساطة ، فلم أره يومًا متجهمًا وعابسًا أو ساخطًا على أحد من مرؤسية ، بل وعلى العكس من ذلك رأيت الابتسامة تكسو محياه وفي أصعب الظروف .
كان كريمًا وشهمًا معي ، فما يحسب له هو أنه منحني اهتمامه ورعايته الأخوية الصادقة ، كأنني واحد من عائلته ، وفعله هذا كان له بالغ الأثر في الاندماج السريع وتحرير ذهني وتفكيري من هواجس الاغتراب الداخلي ، وهي عادة ما تراود معظم الناس حين يغادرون الأمكنة والبشر التي الفوها واعتادوها .
هذا الرفيق النبيل كان ضابطًا محبوبًا من رؤسائه ومرؤسية ، كان حلمه يزاحم النجوم والشهب والكواكب ، محب للسلام والنظام والخير ، فبرغم تفوقه وحصوله على المعارف والمهارات العسكرية إلَّا أن ذلك لم يمنعه من اكتساب خبرات معرفية ثقافية أهلته لخوض غمار أي نقاش أو حوار سياسي أو ثقافي أو فكري .

كان كلما رآني أقرأ كتابا لهيكل أو فهمي هويدي أو سواهم من كتاب السيرة الذاتية مثل الفريق سعد الدين الشاذلي أو الفريق فوزي أو محمود رياض أمين عام الجامعة العربية ؛ ابتسم قائلًا : الله يعينك يا محمد ، تاريخ جله إنكسار ووجع ".

انتقلت منتصف العام ١٩٩٣م إلى الصحافة العسكرية وفي اليوم ذاته الذي تسلم فيه اللواء محمود الصبيحي وزير الدفاع الأسبق - مازال رهن الأسر لدى المليشيات الحوثية - قيادة اللواء ٢٥ ميكا ، لذلك لم يتسنى لي توديعه أو أيًا من اصدقائي ، وما يؤسف له أن هذه القطيعة استمرت وقتًا ، وإلى جمعتنا الهواتف الذكية ومنصات التواصل .

كما والمحزن أنه وبرغم حيويته وأتقاد ذهنه وثقافته كانت حرب صيف ١٩٩٤م اقعدته قسرًا أسوة بجيش من الضباط المحسوبين على الطرف المهزوم . 
قبل أعوام التقيت به صدفة ، أخذت رقم هاتفه ، ومن حينها ظل تواصلي معه وبشكل يومي ، إذ أنه ضمن قائمتي في الواتساب ، فحتى أنه استلم اخر رسائلي اليوم الفجر .
كان في الآونة الأخيرة ساخطًا وبقسوة على الحالة التي يعيشها عامة الناس ، لقد كانت رسائله مؤلمة ومؤثرة ، وكأنما أصابته صدمة موجعة من الوقت ومن رفاقه . 
قبل أعوام توفى ولده بسبب سرطان ، كان سفره برفقة ولده إلى القاهرة تجربة مريرة أوجعته كثيرًا ، فلقد شعر بخذلانه من رفاقه الذين طالما راهن عليهم . ومؤخرًا أعلمني بتعب قلبه ، وأنه في بيته بلا مرتب شهري ، وينتظر مثل غيره أن تنفرج الأوضاع وتتوقف معاناة المواطنين ..

دعواتنا للفقيد بالرحمة والمغفرة ،وأن يسكنه الله الفردوس الأعلى ، وأن يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان ، وإنا لله وإنا إليه راجعون ..
 

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص

كاريكاتير

بدون عنوان