ثورة الزرانيق.. القصة كاملة (3-6)
الساعة 09:14 صباحاً

ماضي أبناء الزرانيق كحاضرهم، مُشبع بِروح المُقاومة، وهم أهل البلد، خَبِروا السهل، وأجـادوا ترويضه، فيما الإمامي المُتفيد، القادم من أعالي الجبال، جاء بانتفاشة كاذبة، مُعتقدًا أنَّ السهل سهلًا، وأنَّ أهل السفح سواء؛ فكان تبعًا لذلك صيدًا ثمينًا لعدة كمائن مُتقنة، وغارات ليلية ناجحة، وحين حصر الضحايا، الذين تجاوز عددهم المئات؛ بل الآلاف، أدرك الإماميون أنَّهم اُقتيدوا إلى مَتاهـة مُوحشة، الخروج منها كما الدخول، كلفهم أيضًا الكثير، والأسـوأ أنَّها جعلت سُمعة قائدهم المغرور في الحضيض.   

    ما أنْ سقط ميناء غليفقة حتى بدأ الزرانيق بِحربهم الاستنزافية، وقاموا بعد يوم واحد من سقوط ذلك الميناء بمُحاولة فاشلة لاستعادته 23 نوفمبر 1928م، ثم أتبعوها بمُحاولة أخرى فاشلة لاستعادة ميناء الطائف، الأخيرة هي الأهم؛ فقد أجبروا - كما أفاد المُؤرخ عبدالودود مقشر - السيف أحمد على مُغادرة ذلك الميناء، بعد أنْ كاد يقع فريسة سهلة في أيديهم.  

     لم يُشر مُؤرخو الإمامة إلى الحادثتين، واكتفى المُؤرخ الإرياني بالقول: «ولما رأى الزرانيق الاستيلاء على غليفقة، وتتابع الضرر فيهم بسقوط المراكز التي هي محلات المواصلات البحرية المُعينة على الفساد، تحزبوا بجموعهم، وخيولهم، وإبلهم، وأرادوا ما لا يدخل تحت أماكنهم الفتك بجنود المُتوكلية، وناوشوهم من بين الأشجار الضئيلة، ففاجئهم الجنود المنصورة، وصبت عليهم وابل البنادق والرشاشات، وروت الأرض من دمائهم، فالقتلى منهم لا يحصون، والجرحى كثيرون..».   

    ردًا على التحركات الزرنوقية المُتسارعة؛ سارع السيف أحمد بتجهيز حملة عسكرية قوامها 1,500 مُقاتل، بقيادة على بن ناصر السياني، مُستغلًا دخول مشايخ قبائل المساعيد، والوعارية، وبني موسى في طاعته، وقد كانت وجهة تلك الحملة - تبعًا لذلك - إلى تلك الناحية، وإلى قرية اللاوية تحديدًا، وفي الأخيرة أكملت استعداداتها للهجوم على مدينة بيت الفقيه، وإكمالًا للمشهد أترككم مع ما قاله المُؤرخ الإرياني: «فاستقر القائد المذكور - يقصد السياني - بقرية اللاوية أيامًا، ورتب الأمور أحسن ترتيب، على إرادة مولانا وتدبيره، ثم غزا الجيش إلى الحطبية، والقوقر، وأحرق ديورًا منها، وشتت أهلها، ونفذ الأمر من مولانا إلى السيد علي خلال ذلك بأنْ يعود لمصلحة رآها».  

     وما لم يعترف به المُؤرخ الإرياني أنَّ تلك الحملة أبيدت عن بكرة أبيها، وأنَّ قائدها علي السياني نجا من الموت بأعجوبة، وهي حقيقة أكدها المُؤرخ مقشر نقلًا عن شهود عيان عاصروا تلك الأحداث، لافتًا أنَّ قبائل المساعيد، والوعارية، وبني موسى خرجوا عن طاعة السيف أحمد، وشاركوا أبناء قبيلة المجاملة في القضاء على تلك الحملة، وهي الحملة التي تتشابه تحركاتها ونهاياتها إلى حدٍ كبير مع حملة أحمد بن قيس السابق ذكر فشلها.    

  حتى تلك اللحظة لم تكن القوات الإمامية قد أحكمت حصار الزرانيق، فما يزال وادي الجاح الغني بأشجار النخيل، والممتد من الصحراء إلى البحر عصيًا عن السقوط، ولإكمال حلقات ذلك الحصار قاد السيف أحمد - كما أفاد المُؤرخ الإرياني - هجومًا شاملًا على ذلك الوادي 7 ديسمبر 1928م، انطلاقًا من الدريهمي، ومرورًا بمينائي الطائف، وغليفقة، وتمكن بالفعل من السيطرة عليه دون قتال، وأكمل ذات المُؤرخ ذلك المشهد بالقول: «وكان الجاح آخر مرسى سقط من أيدي الزرانيق، ولقد التفت مولانا وأمن الباقين من أهل البلدة، وأمن روعهم، وجال بأنحاء البلد، وأمر ببناء معقل منيف مُشرف على غابات النخيل، وساحل البحر».     

   السيطرة على وادي الجاح لم تضطلع بها قوات المحور الشمالي الغربي فقط، فقد كان لقوات المحور الجنوبي الغربي تحت قيادة عامل زبيد محمد بن عبدالله الشامي دور في ذلك، وهي حقيقة أغفلها المُؤرخ الإرياني، وأكدها المُؤرخ زبارة، وأضاف الأخير أنَّ ثُوار الزرانيق انحصروا بعد ذلك في مدينة بيت الفقيه وضواحيها.      من جانبه قال المُؤرخ مقشر أنَّ القوات الإمامية استغلت انتهاء موسم جني النخيل، وذهاب أبناء وادي الجاح للتسوق في مدينة الحسينية المُجاورة، وقامت باحتلال منطقتهم، ولخص تداعيات ذلك المشهد بالقول: «فما أسهل الدخول، وما أصعب تثبيت الاحتلال في نطاق جغرافي كل ما فيها معادي للمُسيطر، حتى السماء، والهواء، والماء».     

       سقط وادي الجاح، إلا أنَّ عزيمة أبطال الزرانيق لم تسقط، استمر أولئك الأبطال بحرب العصابات، وقاموا بعدة عمليات هجومية، استنزفوا من خلالها الإماميين بشريًا، وماديًا، بمساندة مائزة من قبل الشيخ أحمد فتيني جنيد، الذي اتخذ من الجزر المجاورة مقرًا لعملياته، وقاد بعض تلك المعارك بنفسه.       مَثَّل سقوط وادي الجاح بيد القوات الإمامية نقطة تحول فارقة في مسار المواجهات، والبداية الحقيقية لمعارك الاستنزاف، وأثبتت - وهو الأهم - أنَّ ثوار الزرانيق استدرجوا تلك القوات إلى متاهشة مُوحشة، وجرعوها صنوفًا من الهزائم المُذلة.      

 خُيل للسيف أحمد أنَّه بسيطرته على وادي الجاح قد أتم سيطرته على زرانيق اليمن، وأخضع قبائلها العاتية، خاصة وقد سارع - كما أفاد المُؤرخ الإرياني - مُعظم مشايخ تلك القبائل بالحضور إليه، وتسليمه رهائن الطاعة، كمحمد حسن الفاشق، ومحمد حسن جمال، ومهدي علي الأشرم، وحسن عياش المشيخي، وإسماعيل محمد، وغيرهم، وأضاف ذات المُؤرخ: «ثم إن مولانا رتب الجيوش في هاتيك الدور ترتيب يقظ حازم، وأبقاه إلى استقرار الحالة استقرارًا محمودًا».   

    أدلف السيف أحمد بعد ذلك عائدًا إلى الدريهمي 25 ديسمبر 1928م، لتبدأ بعودته معارك وادي الجاح الحقيقية، وكانت البداية في بيت المشيخي، حاصر الثوار القوات الإمامية المُتمركزة في تلك المنطقة، وأفشلوا مُحاولات عامل زبيد محمد الشامي في إنقاذها، وأجبروا السيف أحمد على الرجوع إلى ذلك الوادي، وذلك بعد أسبوعين فقط من مُغادرته، وهدوا على مدى أربعة أشهر كيانه، وأذلوا كبريائه. 

      لم يجن السيف أحمد من مُقاتلي حاشد - الذين سبق أنْ هزمهم - وأقرانهم من مُقاتلي بكيل سـوى الهزائم المُتتالية، لحظات عصيبة عاشها، وهو الذي لم يُهزم - حتى تلك اللحظة - في معركة قط، والمُستبد الذي لم يركن حتى لاستشارة أقرب مُعاونيه، والمُتكبر العنيد الذي لم يستسلم لليأس، أطلق صيحته الشهيرة (الجاح)، مُتبرمًا من الحال الذي وصل إليه، شاكيًا بالزرانيق بشرًا، وجغرافيا، الذين فتكوا هم والأوبئة بالمئات من مُقاتليه، طالبًا المدد والنُصرة، وهي - أي الجاح - قصيدة أحمدية طويلة، قال في مطلعها: صاح أنَّ الجاح قد أضنى فؤادي وكســــا عيــني بأنــواع الســـهاد وبـه الكرب على القلب احتـــوى لسكـون الجيـش والبغي يُعــادي وســـكــوتـي صح هــذا عـذره قـلة الجــيـش وأعـوان الجـهــاد لم أجـد جيـشًا وعـونًا للــــذي رمتـه إنْ خضـت بحرًا للجلاد فجميــع الجيــش عندي نصفه هــدَّه الســقم بآفـات شـــــداد   

    وأضاف مُستنجدًا بأنصار الإمامة بشكل عام، وبأمير لواء تعز جمال الدين علي الوزير على وجه الخصوص، مُغلفًا استنجاده بالشعارات الدينية الخادعة، المدغدغة للعواطف: عجلـــــوا يــا قوم فــــــالعقبــى لكم  دينـــكم أضحى غــريبًا في الـــوهاد يـــــا جمــال الــديــن يـــا خيـــر أخٍ أصبـــــح المجـــــد له في كـــل نـاد يــــا جمال الـدين هــــل مــن غارة تــــنصـر الـدين وتــروي كـل صاد يــــا جمال الدين هـــل مــن نصرة تــرسل البـاغي إلى نــــار الــــرماد 

      دفعت تلك المُناشدات الإمام يحيى لتجييش أبناء القبائل الشمالية، وتأليبهم لنصرة ولده، قائلًا لهم: «انصروا مذهبكم»، وبالفعل تحركت قوات كثيرة صوب تهامة، لنجدة سيفه المثلوم، وكانوا ينشدون: ســــادتي أنتم نجــــــوم الأرض دايم مـــــن سعـــادتــكـــم نزلنــــا للتهـايم نــــــــرضــي الله والإمـــــــــــــــــام       وتحركت في المُقابل قوات أخرى من تعز، وإب، وزبيد، وقد كان دور هذه القوات محدودًا؛ بل لا يكاد يُذكر، ورفض أغلبها كما - أفاد المُؤرخ الإرياني - أوامر الهجوم؛ وهو الأمر الذي دفع السيف أحمد على الانتقاص منها في ذات القصيدة، مشيدًا في ذات الوقت بمقاتلي القبائل الشمالية، حيث قال: وهــــو جيـــــش قــد أتـــى مُحتــــشدًا مـــــن تعز بــــل ومـــن أقصــــى البلاد  فيـــــه نصــــف النصـــف مـن أنصارنا وارثي المجـــــد إلى يـــوم التــــنــادي مـــــن بنـــــي همدان أعنـــــى حــاشدًا وبكيـــــلًا حـاضرًا منــــهــــم وبـــــادي

وكان انتقاصه الأكبر من مُقاتلي أبناء تهامة (الأشاعرة) حيث قال فيهم: وهـــــم يـــا صــاح في التحقيق من ســــفســــف النــاس وأشبــاه الجماد أخـــذوا المــــــال قبـــــحًا للــــــذي أجــــرّ الألــفـاف يـوم الاحتــــــشاد  وشبهَ في قصيدة أخرى مُقاتلي الزرانيق بـ (الجن) لكثرة فتكهم بعساكره، وقال مُشيدًا بهم:  صــاح أنَّ الجــاح مصدق الفعالِ يعــرف الأشـوس منا في القتــال تعلـم الأيـام مــن أشــــجـــعــــنا وترى الأمضى سرى تلك الليالي كلمـــا أعمـلت في القــوم الردى طلعـــوا كالجـن مـن بيـن الرمالِ   

   ما أنْ وصلته الإمدادات؛ حتى أعاد السيف أحمد الهجوم على وادي الجاح، لتقوم قواته في ذلك الوادي وفي محيطه بعمليات سلب شنيعة، حتى أشجار النخيل وغيرها لم تسلم من أذيتهم، قطعوها، وأحرقوا ما تبقى منها، وهي الحوادث المأساوية التي تناقلتها عدد من الصحف العربية، وشنعت على السلطات الإمامية أعظم تشنيع.       كانت صحيفة (الشورى) المصرية سباقة في نقل تفاصيل الإجرام الإمامي في حق أبناء الزرانيق، وغيرهم، وعلق رئيس تحريرها محمد علي الطاهر على جريمة قطع وحرق الأشجار قائلًا: «هذا عمل شنيع جدًا، والأجانب لا يعملون أشنع منه، إنَّ الزرانيق فقراء لا يملك الواحد منهم قوت يومه، ولولا أشجار الغابات هذه التي تركها لهم الآباء لماتوا جوعًا»، وهو الأمر الذي نفاه المُؤرخ عبدالواسع الواسعي، وقال لجريدة (المقطم): «مسألة إحراق غابات الزرانيق بأمر الإمام لا صحة له». 

       وتأكيدًا لما ذكرته صحيفة (الشورى) قال المُؤرخ الإرياني في نقله لمُواجهات يوم الجمعة 18 يناير 1929م: «جهز مولانا سيف الإسلام جيشًا للقبض على الناكثين - يقصد بعض المشايخ السابق ذكرهم - وكان الأمر منه لمقدار من الجيش النظامي بتجريد سيوفهم العديدة، وقطع نخيل من تحقق نكثه وعتوه، فقطعت من نخيلهم البواسق، وحل الدمار بكل ناكث مارق، وذوات آمال العصاة، وكان في تلك الحالة نزول "ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليُخزي الفاسقين"»!      

    وعن الجُرم الإمامي في حق أبناء الزرانيق بصورة أشمل، اتهم الحاكم البريطاني لجزيرة كمران السلطات الإمامية بإقدامها على «حرق ما لا يقل عن ثلاث عشرة  قرية، وتدمير نحو ثلاثين قارب، وتسميم مُعظم الآبار، وقطع الآلاف من أشجار النخيل، ومصادرة معظم ما تمتلكه القبيلة من ثروة حيوانية». وذكرت إحصائية أخرى أنَّ القوات الإمامية أقدمت على نهب 100 منزل خارج قبيلة الزرانيق لأناس مُسالمين لم يكن لهم في تلك الحرب ناقة ولا جمل.   

    وبالعودة إلى موضوعنا، فقد قام الثوار في وادي الجاح بعدة عمليات فدائية، وتتحدث الذاكرة الشفهية عن قيام أحد أبطال الزرانيق الأفذاذ بالهجوم على السيف أحمد في مخدعه، وأنَّ الأخير كاد أنْ يلفظ على يد ذلك الثائر أنفاسه، لولا قيام الحُراس بإنقاذه، وهي الحادثة التي قلل المُؤرخ الإرياني من أهميتها، وقال أنَّ بطلها الشيخ سالم عبدالله تسلل ليلًا إلى أحدى الثكنات 20 يناير 1929م، وأنَّ الحراس رأوه يفك رباط أحد الخيول لسرقتها، وأنَّهم - أي الحراس - قاموا لذات السبب بقتله، وتعليق رأسه لعدة أيام في باب المقام الشريف!   

     ثم عاد المُؤرخ الإرياني واستدرك، وأتبع لغة الانتقاص تلك بالإشادة بذلك البطل الزرنوقي، حيث قال: «انظر أيها القارئ إلى بسالة وصلابة وشدة سالم عبدالله، ذلك البدوي الوحشي ما أثبت جأشه، ما أقوى بأسه، ما أعظم بسالته، كيف يرى الجيوش العديدة محيطة بالمركز إحاطة الهالة بالقمر، إحاطة السوار بالمعصم، ويتخطى رقابهم، غير مُكترث بما يلاقيه منها، ولا مُتأسف على حياته الغالية الثمن، حقًا إنها لشجاعة غريزية، وهكذا أمثاله من أولئك المتوحشين المتعصبين الناكبين المتعجرفين»!    

   ولتخفيف الضغط على جبهة الجاح، قام الشيخ أحمد فتيني جنيد بعملية هجومية إنقاذية من جهة البحر 18 أبريل 1949م، وكان ساحل الكويزي الواقع بين مينائي الطائف وغليفقة ميدانها، التقاه هناك عدد من المُقاومين، وقاموا تحت قيادته - كما أفاد سليمان الأهدل - بالهجوم على القوات الإمامية المرابطة في عين الضبي، وأفنوها، وأفنوا أيضًا قوات ثانية مُرابطة بالقرب منها، فيما تمكنت قوات ثالثة وأخيرة من التصدي لهم، وكانت حصيلة قتلاهم 15 فردًا.      

 قلل المُؤرخ الإرياني كعادته من بطولات ثوار الزرانيق، وأدلى برواية أحادية متصلة، مفادها: «كان خروج بغاة الزرانيق إلى ساحل الكويزي لتلقي الطاغية أحمد فتيني، والفتك بالمجاهدين المرتبين هناك، والهجوم على مركز الطائف، فأحس بهم المجاهدون، وقامت الحرب على ساق، وجرت معركة كان النصر للجيش»، وأفاد أنَّ عدد قتلى الزرانيق وصل إلى نحو 113 قتيلًا، وأنَّه تم حز 36 رأس، وإرسالها إلى الحديدة، وزبيد، وأنَّ عدد قتلى القوات الإمامية وصل إلى «نحو تسعة عشر نفرًا لا غير». 

      وأكد ذات المُؤرخ أنَّ السيف أحمد كان قد خرج بداية ذات الشهر إلى ساحل الكويزي لإفشال التقاء الشيخ أحمد فتيني جنيد بثوار الداخل الزرنوقي، وأنَّه - أي السيف أحمد - رتب قواته في ذلك الساحل استعدادًا لأي طاري، وغادر وادي الجاح - كما سيأتي - إلى زبيد، وإكمالًا لهذه الجزئية قال الإرياني: «وأمر - أي السيف أحمد - من ساعته بإصلاح أماكن ومعاريش للجيش، وسوق ما يحتاج إليه، وأوصاه بالحزم والعزم ليلًا ونهارًا، والترقب للبغاة، والفتك بهم». 

      لم تتوقف مُحاولات الشيخ أحمد فتيني جنيد في استعادة ميناء الطائف خلال تلك الفترة، وتفردت صحيفة (الشورى) المصرية نقلًا عن مُراسلها في عدن في ذكر تفاصيل هجوم قام به ذات الشيخ على ذات الميناء، في الشهر التالي، وأفاد ذات المراسل أنَّ القوات الإمامية تمكنت من صد ذلك الهجوم، دون أنْ يتوسع أكثر في نقل تفاصيله.       

 وفي 15 يوليو 1929 قام ثوار الزرانيق بمحاولة فاشلة لاستعادة وادي الجاح، وهي حادثة تفرَّد المُؤرخ الإرياني بذكرها، وأفاد أنَّ المواجهات سكنت بعد ذلك لمدة أسبوع، وأضاف: «ونصر الله الحق، قتل من الزرانيق ثلاثة عشر قتيلًا، وحزت رؤوسهم، وصاروا عبرة».    

   قال المُؤرخ الإمامي أحمد الشامي عن معارك وادي الجاح أنها ملاحم تشبه الخيال، وأنَّ الزرانيق استبسلوا في الدفاع عن أرضهم، وقاتلوا قتال الأسود الضواري، وأضاف مُتحدثًا عن الجانب الآخر بصورة مُبالغ فيها: «واستقتل الجيش الإمامي مع قائده الشجاع المقدام، الذي كان يرمي بنفسه أمام جيشه، لا يرهب حر الرمل، ولا أزيز الرصاص، والجثث تتساقط عن يمينه وشماله، وهو لا يبالي، والرؤوس تتدحرج أمامه وهو لا يلوى».   

    اجتمعت في وادي الجاح جميع مُقومات الصمود، من أشجار نخيل باسقة، وكثبان رملية حارقة، وأجواء تهامية لاهبة، وأوبئة فتاكة، وهي العوامل التي أدركها أبطال الزرانيق مبكرًا، وجروا - كما سبق أنْ ذكرنا - القوات الإمامية إلى متاهتهم المُوحشة، وحصروها في ساحلهم الضيق، وأدركها - أي تلك العوامل - السيف أحمد مُتأخرًا، بعد أنْ خسر مئات الأفراد من عساكره، ونجا هو نفسه من الموت بأعجوبة.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص

كاريكاتير

بدون عنوان