احتمالات السلام في اليمن
الساعة 07:34 صباحاً

تمر الأيام ثقيلة على غالبية اليمنيين، في انتظار أخبار تؤكد رسمياً استمرار الهدنة التي بدأت في الثاني من أبريل (نيسان) 2022، وانتهت في الثاني من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، وبرر الحوثيون موقفهم الرافض تمديدها بضرورة دفع مرتبات موظفي الدولة الذين يعملون في المناطق التي يديرونها، وهو في الواقع مطلب منطقي وإنساني لا تعترض عليه الحكومة إلا من حيث مطالبتها بأن تستخدم الإيرادات التي تتحصل عليها حكومة الحوثيين في تغطية جزء من الفاتورة النهائية.

ورغم أن الحكومة الشرعية تتحمل كامل المسؤولية الأخلاقية والقانونية في دفع كامل المرتبات للمدنيين العاملين والمتقاعدين فإن على جماعة الحوثي أيضاً أن تلتزم من دون تذاك بإنفاق ما تتحصل عليه من الأموال والجبايات المتصاعدة والمبالغ فيها لخدمة الناس ولو جزئياً.

لقد أسهمت الهدن الماضية في التخفيف من حدة القتال على الجبهات المختلفة رغم الخروقات التي تكررت خلالها في أكثر من مكان، كما أتاحت فرصة التنقل الآمن داخلياً، والسفر إلى الخارج للعلاج، أو العودة للداخل عبر العاصمة الأردنية عمان. ومن المعقول إنسانياً المطالبة بفتح مطار صنعاء إلى وجهات أخرى يجري الاتفاق على تشديد إجراءاتها الأمنية، لضمان عدم استخدامها لأغراض غير إنسانية.

وفي وقت كان الناس ينتظرون انفراجة في المسار نحو بدء المشاورات سارعت الحكومة من عدن بإعلان أسماء فريقها مستبقة حتى موافقة الحوثيين على تمديد الهدنة. وفي المقابل أرسل الحوثيون طائرات مسيرة فوق ميناء ضبة، مهددين سفينة نفط كانت تستعد لدخول الميناء لتعبئة خزاناتها بالنفط الخام لبيعه في الأسواق العالمية. وهكذا كان رد فعل الحكومة العاجل هو تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية، والتلويح باتخاذ إجراءات تنفيذية لإلغاء كل الخطوات التي جرى الاتفاق عليها بموجب الهدن السابقة.

ورغم الترحيب الذي أبداه كثيرون لقرار مجلس القيادة الرئاسي فإن الواقع يؤكد أن المتضرر من ذلك هو المواطن وحده الذي يعاني إغلاق المطار، والخوف من نقص المشتقات النفطية، وما سيترتب عليه من ارتفاع في أسعار كل الخدمات والسلع الأساسية وغيرها.

من الواضح حد اليقين أن قرار تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية جاء رد فعل من دون دراسة لكل مترتباته القانونية والإنسانية كغيره من القرارات العشوائية المتكررة التي صدرت من دون أن يفهم الناس هدفها، ذلك أن القرار سيقتضي حكماً استعداد "المجلس" بإجراءات لا يمكنه تنفيذ كثير منها، فهو عاجز عن حماية المواطن الذي يعيش بعيداً من سلطتها عن الآثار السلبية التي سيتعرض لها من دون أدنى شك.

مما لا شك فيه أن العملية التي قام بها الحوثيون أخيراً فوق ميناء ضبة تضع علامات استفهام كبرى حول مجمل العملية السياسية، وإن كان بالإمكان استئنافها، وفي الوقت ذاته فإن ما جرى سبب حرجاً شديداً لمجلس القيادة الرئاسي، لأنه مطالب من جمهور مؤيديه بأن يتخذ ما يثبت جديته في تنفيذ "التصنيف"، وهو يدرك أيضاً أن قدراته العسكرية غير كافية للحسم من دون تدخل مباشر من قوات التحالف. في وقت يسعى فيه الإقليم للابتعاد عسكرياً وبسرعة عن المستنقع اليمني، وهكذا سيكون "المجلس" مكتفياً بالتصعيد الإعلامي، مدعوماً من ناشطين إعلاميين ممولين بسخاء للإطراء على مواقفه بالوطنية الكبرى.

في ظل القلق الذي يصيب اليمنيين في الداخل والخارج يكون من المطلوب الآن البحث عن صيغة لمعالجة التعقيدات الناجمة عن توقف العمل لتمديد الهدنة، وإذا ما كان بعضهم يراهن بسذاجة على نتائج الانتخابات النصفية لمجلسي الكونغرس الأميركي، فعليهم أن يفهموا أن السياسة الخارجية الأميركية لا تتغير مبادئها بتغيير ساكن البيت الأبيض، فهي أداة للضغط على الدول الأجنبية لتنفيذ وحماية المصالح الأميركية أياً كان انتماء الرئيس الحزبي ديمقراطياً أو جمهورياً. ويجب أن يتذكر الجميع أن الرئيس السابق دونالد ترمب ابتز المنطقة العربية من دون أن يقدم لها شيئاً في مقابل ما جناه هو وأسرته وما حصلت عليه المصانع الأميركية.
بعيداً من المزايدات من الطرفين فما زال من الممكن نقل ملفات عدة من عناية المبعوثين الخارجيين وإجراء تفاهمات محلية لفتح الطرقات، ولعل إحداها هو فتح عدد من المعابر داخل تعز، وكذلك بين المدن، وسيكون من النتائج المباشرة لذلك التخفيف من الاحتقان الاجتماعي داخل المجتمع، وتيسير التواصل بين المناطق والمواطنين. ويجب أن يدرك "المجلس" أن معاقبة الحوثيين لا يجوز إنسانياً أن تمر عبر معاقبة المواطنين، لأنه في هذه الحال سيفقد جزءاً كبيراً من مشروعيته الهشة ومنتهكاً لليمين الذي أداه أعضاؤه الثمانية لتخليه عن مصالح الناس وحقوقهم الأصيلة.

لقد كان الغرض من تشكيل "المجلس" في السابع من أبريل 2022 حشد قادة التكوينات المسلحة في كيان واحد، لكن الأجواء التي تحيط بعمله تثبت ضعف إدارة التركيبة الحالية وترددها، وستظل العلاقة داخله مرتبكة، لأن الهدف النهائي ليس واحداً. ومن المستغرب أن "المجلس" ما زال يعمل بطريقة بدائية وسطحية من دون لائحة قانونية تنظم وتضبط نشاطات أعضائه، ولم يعد أعضاؤه يجتمعون إلا في الرياض أو عبر الزووم.

ومن السخرية انشغال بعضهم في ترتيب أوضاعه المعيشية والإنفاق بسخاء على تحسين المسكن الذي يعيش فيه، متناسين حياة الناس، متجاهلين العمل على إنهاء عوامل الإرباك داخل المجلس وغير قادرين على العمل لإدارة بلد يحتاج إلى التقشف في الإنفاق وتقليص مظاهر الترف ووقف الرحلات التي لا تفيد الناس.

إن أوضاع البلاد المضطربة تعكسها حال "المجلس" الذي يدار بطريقة لا يمكن لها أن تكون صالحة لإدارة وطن في حال حرب، وإذا استمر العمل بالعشوائية التي ميزت سنوات حكم الرئيس عبدربه منصور هادي، فلا بد أن الفشل سيظهر سريعاً، وسيكون محتماً حينها دخول البلد في حال شلل كامل، وإقحامه في متاهة جديدة للبحث عن حلول هي في الواقع أمام الجميع، لكنها تحتاج إلى قيادات غائبة عن المشهد.
 

 

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص

كاريكاتير

بدون عنوان