الدواء في بلادي: فَاسد.. مُقلّد.. مَغشوش
الساعة 07:19 صباحاً

بعد أن طَالت بعض أصنافه عمليات تَهريب وتَزوير مُنظمة الدواء في بلادي: فَاسد.. مُقلّد.. مَغشوش!   

فوضى عارمة تكاد تعصف بسوق الدواء، وصفها البعض بالغير أخلاقية؛ تعود في غالبيتها إلى تعدد الجهات المسئولة عن الرقابة والإشراف والتفتيش؛ إلا أن المسئولية الحقيقية سقطت بسقوط الضمير الطبي؛ وتوزعت بين عديد جهات، أسهمت جميعها في تحويل الصيدليات إلى المنفذ الأخير للموت. 

تحتل الأدوية نصيب الأسد من مُجمل المواد التي تدخل بلادنا عن طريق التهريب، وتحتل نفس المكانة عند المُهربين أنفسهم؛ لأنها تُدر عليهم مبالغ خيالية، وبفعل الكم الهائل من هذه الأدوية المنتشرة في الأسواق، صار الدواء داءً جديداً يتفشى، تتضاعف أضراره، وتتعاظم مخاطره، ومن عواقبه يتكرر الحديث في أوساط المواطنين عن حكايا مؤلمة ضحاياها بلا حدود.

تعددت المخاطر

ينفي الدكتور الصيدلي عمر الخطاب الدميني عن نفسه وصيدليته بيع الأدوية المُهربة أو التعامل مع مُهربين، موضحاً أن أغلب تلك الأدوية مزورة، وليست ذات مواصفات جيدة، وتمثل خطورة عظيمة على صحة المريض.

على النقيض من ذلك يدافع الصيدلي ناصر حسن النهاري عن جموع المُهربين فهم يخدمونه ويخدمون غيره بتوفير أصناف عدة لأدوية يعجز عنها الوكلاء، وحينما رآني مستغرباً، عاد وفرق بين من يعنيهم وبين المزورين، الذين يصنعون أدوية مُقلدة تحمل شعارات طبق الأصل لكل ما هو جيد، وهذه بالذات يرفض التعامل معها، ويعتبر من يصنعوها بلا دين ولا ضمير، كما أن الأدوية المهربة - باعتقاده - لا تحمل خطراً كالمزورة، وهذه الأخيرة رغم أنها لا تحمل أي قيمة دوائية إلا أنها قد تؤدي إلى الوفاة؛ خاصة عندما يكون الدواء ضرورياً للمصاب، أما معظم الأدوية المهربة فهي أصناف حقيقية ذات فائدة.

وفي المقابل هناك من يرى أن التزوير والتهريب وجهان لعملة واحدة، مفندين بذلك النظرة الحالمة التي يتبناها البعض حيال الأدوية المهربة - أو بعضها إن صح التعبير- ومن أولئك الدكتور مختار العديني، فهذه الأدوية من وجهة نظره مجهولة المصدر، وتفتقد الضمان الصحي الفعال، ولم تخضع مُسبقاً لإجراءات الأمن والسلامة المعتمدة من قبل الهيئة العليا للأدوية، بدءاً من تصنيعها وشحنها من بلد المنشأ، ونقلها وتخزينها لدى الوكيل المعتمد.

الجميع متضرر

نحن في اليمن لا نعاني من ضعف وضآلة الخدمات الصحية وحسب؛ بل ومن خطورتها أيضاً، بهذا الاستنتاج الكارثي ابتدأ الدكتور وليد الصلاحي حديثه، مُعرفاً التزوير بعدم الالتزام بالنسب المقررة لمواد تركيب الدواء في مضمونه وشكله، مبيناً أنَّ الإخلال بتركيب الدواء والعبث بنسب مكوناته؛ يعرض الإنسان لأضرار متعددة تتسبب أحياناً في فقدانه لحياته.

من جهته قال محمد عبدالله قاسم: "نحن المواطنون لا يرضينا أن يتحكم بصحة أبناء الشعب فئة لا يهمها سوى الكسب المادي"، مؤكداً أن الجميع متضرر، وليس هناك جهة بعينها، فالقاضي أو المسؤول الأمني أو المهندس أو الوزير أو غيرهم بالتأكيد يشترون تلك الأدوية، وبالتالي يصيب نفسه وأولاده بالداء، أسوة ببقية المواطنين.

ضرورة أم تجارة؟!

في بلدٍ ما زال المرض فيه إرثا رجعياً منذ زمن، لم يعد الدواء بلسماً للجروح، وإنما داء يفتك بحياة البشر، والسؤال الذي يفرض نفسه وبقوه: هل تهريب الأدوية في بلادي ضرورة أم تجارة؟!

الظاهرة بحد ذاتها عالمية ومقلقة وخطيرة على المستويين الحكومي والشعبي، فيما الإحصاءات الرسمية لكمية الأدوية المهربة في السوق اليمني غير متوفرة حتى الآن، وطبقاً لتقديرات القطاع الدوائي العامل في مجال الأدوية، فإن الكمية المُهربة تصل إلى 50% من جملة المعروض الكلي في السوق، الذي يكون معظمه كميات فاسدة، فيما الحجم المقدر للاستيراد الرسمي يبلغ تقريباً ما بين 37%- 50% من حجم المعروض الكلي في السوق.

ولا ينفك مسئولو الهيئة العليا للأدوية أن يفندوا صحة تلك النسب، والصحيح حد وصف الدكتور عبدالمنعم الحكمي (مديرها العام) 5% فقط هي نسبة الأدوية المهربة في السوق اليمني، فيما أكد آخر أنها لا تزيد عن 10%، معتبراً ذلك مؤشراً يفخر به في كفاءة الإجراءات الرقابية المشددة التي تقوم بها الهيئة بالتعاون مع الجهات والأجهزة الأمنية في المنافذ البرية والبحرية والجوية، وأن الظاهرة برمتها - حسب تقديرهم - خفت كثيراً خلال السنوات الماضية.

وأكدت مصادر نقابية طبية أن الاقتصاد اليمني يتكبد خسائر سنوية تصل إلى المليارات من الريالات؛ بسبب استهلاك الأدوية الفاسدة والمهربة وغير الفعالة، حيث قدرت تلك الخسارة دراسة يمنية حديثة بأكثر من خمسة مليارات ريال يمني تذهب إلى جيوب مهربي الأدوية الذين سيطروا على 36% من سوق الدواء الذي يعتمد على 90% من مصادر خارجية.

مَنافذ مُقلقة

حق بن هادي يسيل لها لعاب كثيرين، ومنافذنا الجمركية رقم سهل يسهل تجاوزه بهذا الداء الغير هادي!، المُهم ادفع وبا تمر.. يعني با تمر، حتى لو معاك سُموم!

يعتقد البعض أن عدم محاسبة الفاسدين ومن لهم صلة بتهريب الأدوية عمل على تشجيع المهربين وفتح أسواق خاصة بالتهريب، ويؤكد تقرير سابق صادر عن منظمة الشفافية الدولية أن الفساد شوه أسواق المستحضرات الصيدلية، وشجع ظهور سوق سوداء للعقاقير المزيفة.

الدكتور يوسف الحاضري سبق أن أكد في دراسة له أن بلدنا أصبحت سوقاً كبيراً لشركات الأدوية التي تتسابق لعرض منتجاتها من خلال وكلاء وتجار يمنيين, مركزاً على سياسة الجهة المختصة بهذا الجانب (الهيئة العليا للأدوية)، معتبراً الشروط والالتزامات التي تعرضها على التاجر أو الوكيل كي ينفذها بأنها رائعة، إلا أنها حد وصفه لا تعبر إطلاقاً عما يحصل في كواليس المعاملات الحقيقية.

التهريب بالأصل يضر الوكلاء أكثر من غيرهم، فالصيدلانيين - مثلاً - مُجبرين على شراء الأدوية المهربة لأنها أرخص، وكذلك تجار الجملة يأخذون كميات قليلة من الوكلاء، ويعتمدون اعتماداً كلياً على التهريب، والأهم من ذلك أن للمهربين قدرات فائقة في توفير الأدوية وبسرعة، خصوصاً الأصناف المطلوبة بكثرة.

وبالتعمق أكثر تكشف أن المُهربين نتيجةً لتلك الأسباب اقتحموا سوق الأدوية في بلادنا وبقوة، وباعتقاد كثيرين أنّ هذا الأمر عائد لواقع السوق الدوائي في بلادنا، الذي يتحكم فيه وكلاء يقتاتون من آلام هذا المواطن المسكين، يحتكرون ويتحكمون بسعر كل ما هو ضروري، ليصبح الفارق بين سعر الوكيل والمهرب جنوني وفظيع، ويبقى السؤال: ما هو دور الجهات المعنية في التحكم في ذلك.

تُجار الشنطة!

عتاولة كبار ملأوا الأسوق بأطنان جمة لأدوية معظمها فاسد أو مقلد أو مغشوش، يعاونهم بذلك صغار امتهنوا طلب الرزق على حساب آخرين، وبالمقابل ثمة فارق كبير بين أرباب حاويات وتجار الشنطة.

من الصعب ملاقاة مُهرب كبير ممن يحضون بالدعم والرعاية العليا، ويضخون الأدوية إلى بلادنا بالحاويات، كما هو من السهل ملاقاة أقرانهم الصغار (تُجار الشنط)، وقد تسنى لي بالفعل مقابلة عدد من هؤلاء، أقصد ذوي الغرض النبيل، تعمقت كثيراً في تفاصيل مغامراتهم، جلها بحث عن أسباب الرزق، أحياناً تنجح وأحياناً تخيب، وإذا ما نجحت فالربح كبير جداً.

ع . س تاجر شنطة متمرس، له في هذه المهنة أكثر من 15 عاماً، يقول إنه وزملاء له آخرون يعكفون في صالات استقبال مطار (...)، يتصيدون من يخدمهم من أبناء وطنهم، الداخل يأخذون بيده، ويذيلون أمامه صعاباً جمة سكن، مستشفى، وأخرى، فيما الخارج - من فاتهم من قبل - يودعوه، ويلتمسون منه توصيل عبوات محدودة لأدوية تخص- تدليساً - قريباً لهم بالوطن؛ مع فارق أنَّ من حظي بالاستقبال تكون حمولته أكثر وأغلى.

وأضاف ع . س أنَّهم يقومون بعملياتهم وفق دراسة مسبقة للسوق، وينشطون كثيراً في كل ما خفَ وزنه، وغلا ثمنه، وكما أن هناك المُرسل من بلد التصنيع، يوجد هنا المُستقبل، يتلقف البضاعة، ويوزعها على من يثق به من أصحاب الصيدليات؛ ليعم الربح في النهاية الجميع.

 

قد يكون التحقيق ركز على جوانب إيجابية يحفل بها بعض المُهربين، إلا أن الخطر ما يزال قائماً لا يبرح مكانه، وكاتب التحقيق إن تجاوزت الخطر الاقتصادي (العائدات الجمركية)، فقد تخطاها - هنا - إلى ما هو أهم (الخطر الدوائي)، فكم من دواء تحول إلى داء، وكم من نفوس بريئة ودعت الحياة بصمت؛ بعد ان اقتحم هذا المجال كثيرون بلا ذمة ولا ضمير.

وفيما يخص منع الجهات المختصة لأدوية معينة من الدخول إلى بلادنا؛ أكد أحدهم أنَّ وراء الأكمة ما وراءها، مُعتبراً ذلك بالغير بعيد عن الصدفة، والأدهى والأمر قوله أنَّ ذلك يتم بالتنسيق المسبق بين تلك الجهات والمهربين - يقصد الكبار منهم - متسائلاً: وإلا ماذا يعني ذلك المنع والمواطن بأمس الحاجة لهكذا أدوية؟! 

أكثر من داء!

بدأ سوق الأدوية يشهد تحولات شبه جذرية في هيكلة الأدوية المُهربة، فيما كميات هائلة ما زالت تتوارد من كافة الاتجاهات، غالي الثمن أو المستخدم لأمراض مستعصية وشائعة هو الأكثر حضوراً هذه المرة.

حسب اختصاصيون في وزارة الصحة إن نشاطات تهريب الأدوية بدأت تطال الكثير من أنواع الأدوية، ومن بينها الأدوية غالية الثمن، والمستخدمة لعلاج الأمراض المستعصية والشائعة، في حين يقدر عدد الأصناف المزورة والتي تدخل السوق اليمنية عن طريق التهريب بأكثر من 30 صنفا دوائيا. 

وتعد عقاقير السكري والسرطان والقلب هي الأكثر تهريباً والأكثر عرضة للتزييف؛ ذلك لأن سعرها باهظ يعجز المواطن اليمني البسيط عن دفعها، يضاف إليها أدوية الجلطاتن، ومنها دواء الأسبرين الذي يستخدمه المصابون بالجلطات كمميع للدم، ودواء اليوثيل الذي يستخدم لتقرحات عنق الرحم، والديكايتيل الخاص بسرطانات عنق الرحم، وهذا بالذات سعره الحقيقي أربعون ألف ريال، بينما يباع المُهرب منه بـ 15 ألف ريال.

وقد سبق لدراسات وتقارير علمية مختلفة التحذير من خطورة ارتفاع نسبة الأدوية المهربة والمزورة التي تعج بها السوق الدوائية في بلادنا، وما يترتب على ذلك من خطورة مباشرة على حياة وأرواح الناس حال تعاطيها، ويكشف لنا الدكتور عبدالله شديوه حجم المأساة والكارثة الحقيقية على المريض اليمني الذي يعتبر الدواء من الأولويات بعد الأكل والشرب ضمن اهتمامه اليومي، وعدّد في دراسة له بعض مضاعفات أخطار الأدوية المهربة والمزورة، ولعل أبرزها الفشل الكلوي، وأمراض الجهاز الهضمي، وجهاز المناعة، وأخطرها السرطان، فاستخدام المضادات الحيوية بتركيزات أقل من المطلوب تكسب البكتيريا المسببة للمرض مناعة يصعب القضاء عليها، ويؤكد شديوه أن تعرض الأدوية بشكل عام والأمصال واللقاحات بصفة خاصة إلى ظروف متغيرة يفقدها فعاليتها وتتحول إلى مواد سامة وخطيرة.

أسواق مفتوحة

اليمن من أكثر بلدان الله التي تحوي شركات ووكالات أدوية، أسوقها مفتوحة دون ضبط أو تحكم أو تقييد، تعج بالكثير من الأصناف المزورة والمهربة والمنتهية والمضروبة؛ وطول الوقت يُفيد مسئولون في وزارة الصحة العامة والسكان أنهم يكافحون بوتيرة عالية ومستمرة من أجل التصدي لهذه الظاهرة، ويقومون دوريا بحملات تفتيش على الصيدليات ومخازن الأدوية، ويعملون على إتلاف كميات كبيرة من الأدوية التي تضبط أثناء تهريبها في المنافذ الحدودية والموانئ والمطارات وفي المخازن في بعض المحافظات، غير أن العديد من المتعاملين في سوق الدواء يعتقدون أن الكميات التي يجري مصادرتها وإتلافها لا تمثل سوى نسبة بسيطة من كميات الأدوية المهربة والمزورة التي تدخل السوق اليمنية يوميا.

قبل 39 عاما أنشئت الهيئة العليا للأدوية التي أعيد تنظيمها عام 1979م، بهدف تنفيذ عملية استيراد الأدوية، وفي عام 1999م صدر القرار الجمهوري رقم 233 بإعادة تنظيمها باعتبارها الجهة المسئولة عن تسجيل واستيراد وتحليل ومراقبة الأدوية المستوردة لليمن، كما تقوم بالإشراف على نقل الأدوية من دول المصدر إلى الموانئ اليمنية وعملية تخزينها وفقا لشروط التخزين.

يقول مديرها العام الدكتور عبد المنعم الحكمي أن الهيئة جهة فنية يتواجد مندوبيها في المنافذ الرسمية فقط (مطار صنعاء، مطار وميناء عدن، ميناء الحديدة، ومنفذ حرض)، وهي المنافذ التي يتم عبرها استيراد الأدوية بشكل رسمي، ويتم فيها التأكد والتحري عن أي أدوية تأتي مهربة من خلالها ليتم ضبطها ومصادرتها أولا بأول، أما المنافذ الغير رسمية فهي مسؤولية الجهات الأمنية والجيش بدرجة رئيسية، معتبراً المسؤولية تكاملية ومصلحة الجمارك بالذات شريك أساسي فيها، باعتبارها مسؤولاً عن جميع السلع الوافدة إلى اليمن.

وأضاف الحكمي: لسنا مسؤولين عن أي دواء يدخل بلادنا بطريقة غير رسمية، وما عدا ذلك يجب مصادرته وإتلافه باعتباره دواء غير صالح وغير مأمون, مؤكداً أن المسائل لا تحتاج لاجتهادات، باعتبار أن الكادر الموجود لدى الهيئة مؤهل وفني، جميعهم صيادلة مؤهلون تم تدريبهم في دورات مختلفة حول الرقابة الدوائية في العديد من الدول الصديقة والشقيقة، ويقومون بدورهم على أكمل وجه. 

وفيما يخص مراقبة الأدوية التي تقع في الصيدليات فإنها - حسب الحكمي- لا تقع ضمن مسؤوليات الهيئة، وإنما ضمن مسؤوليات مكاتب الصحة في المحافظات والمديريات، بالإضافة إلى الإدارة العامة للصيدلة والتموين الطبي في وزارة الصحة.

أسباب تجارية

 

وليد الصلاحي دكتور صيدلي يعتقد أن التعدد في الأصناف الدوائية ساهم كثيراً في التقليل من ظاهرة تهريب الأدوية، وعشرون سنة من عمره في هذا المجال كفيلة في رصد مسارات سوق الدواء عن قرب، وجل الظاهرة المقلقة - حد وصفه - خفت نسبياً خلال السنوات الماضية، مرجعاً ذلك إلى أسباب تجارية بحته.

يقول وليد: "الشركات الكبيرة بدأت تشوف الأدوية حقها تُهرب فخفضت سعره وضربت المُهرب"، مستدلاً على ذلك بشركة ناتكو شرنج التي عمدت على تنزيل أسعارها إلى النصف نكاية بالأصناف المهربة التي كادت أن تؤدي إلى إفلاسها.

فيما يرى آخرون أن تلك الزيادة في الأصناف لا تجدي، على اعتبار أن غالبية هذه الأصناف مكررة وليست أكثر من زيادة في الكم دون الكيف، خاصة أن عمليات تهريب الأدوية تظهر بجلاء من خلال الأدوية ذات أسعار مرتفعة خصوصاً تلك التي يستخدمها أصحاب الأمراض المزمنة، وهي أدوية لا يوجد لها وكلاء معتمدون داخل البلد. وعن ذلك أضاف وليد: "كل شيء اليوم صار متوفراً"، مفصحاً عن أكثر من صنف دوائي ينافس ما ذكرته آنفاً، إلا أن العلامة التجارية تختلف!

ضُعف تشريعي

لن يُقضى نهائيا على هذه الظاهرة دون وجود عقاب رادع يكون فيها الفاعل عبرة للآخرين، هذا ما أكده مدير عام الهيئة العليا للأدوية، كاشفاً عن وجود ضعف كبير في تشريعاتنا القانونية في معالجة هذه الظاهرة، ورغم إعداد مشروع قانون الصيدلة والدواء وأفرد فصل فيه بالمخالفات والعقوبات، إلا أن الجميع يطمح - حسب توصيف الحكمي - إلى أن ترتقي معاقبة المهربين والمزورين للأدوية إلى عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد، باعتبار أن هناك ضرراً مباشراً على صحة الإنسان.

واعتبر الحكمي تعدد الجهات المسؤولة عن الرقابة على الأدوية مشكلة كبرى، فهم يراقبون بجزء، وآخرون بجزء، وأن قانون الصيدلة والدواء سينظم ذلك باعتبار أن هناك أمورا فنية وليست إجراءات إدارية, ويمكن اتباعها بشكل كامل في حال وجود النصوص التي نحتاجها كسند قانوني لدى السلطات الأخرى الأمنية والقضائية، وإذا ما أردنا القضاء بشكل كامل على ظاهرة التهريب وغيرها، يقول الحكمي: "يجب تشديد الرقابة أكثر على الصيدليات، لأننا بإغلاق المخالف منها نكون أغلقنا المنفذ الأخير للتهريب, وبالتالي لن يجد المهرب منفذاً لبيع سلعته، وبذلك نحد من هذه الظاهرة كثيراً".

وفي المقابل ثمة من يرى أن القوانين ليست هي المشكلة، وأن ما هو موجود من قوانين ولوائح وأنظمة سارية كافٍ لحل المشكلة، لأن الفساد هو المشكلة الكبرى، ومكافحة عمليات تهريب الدواء - باعتقادهم - بسيطة جداً إذا ضبطت الأجهزة الحكومية المنافذ البرية والبحرية والجوية عبر إدارة سليمة ونزيهة.

والمُنتهي منه

 

أضحى سوق الدواء مرتعاً خصبا للكثير من المهربين، ومع سقوط المسئولية تنامت مخاطر إتلاف الدواء الفاسد، وتخطت حدود المخاطر الصحية لتناول تلك الأدوية لتؤثر على صحة الإنسان وبيئته ومستقبله، ويستدعي التخلص من الأدوية الفاسدة أساليب طبية سليمة، تتولاها غالباً شركات خاصة، تعمل على إعادة تدويرها، لأنها بنظر العلم نفايات كيماوية وداء فتاك بالأرض والإنسان.

وما يقوم به مهربو تلك الأدوية أو حتى مستوردوها من تخلص تقليدي وعشوائي ركيك للمنتهي منه، هي بنظر كثيرين خطر يفوق جل ما ذُكر آنفاً، وفي بلادنا تتجسد صورة تلك المخاطر وبقوة، ومن البديهي أن نرى الأدوية المنتهية مرمية في الشوارع العامة والأزقة ومكبات النفايات؛ بعد أن عمد المخالفون إلى إخفاء معالمها الخارجية من تاريخ الإنتاج والصلاحية، وبلد المصدر، واسم الشركة المصنعة، والوكيل في السوق.

بديل آمن

يسعى كثير من المُهتمين إلى الوصول إلى استراتيجية شاملة للأمن الدوائي في اليمن، وقد سبق للاتحاد الدولي للدواء أن تبنى ندوات ودراسات مستفيضة في هذا الشأن، شملت الأسباب الكامنة وراء الظاهرة والتأثيرات الناتجة عنها، دون تجاوز الاستراتيجيات والحلول الممكن اتباعها، وكان جل تركيز المُهتمين المحليين ينصب في أن تحقق المصانع المحلية الارتقاء بالدواء الجيد وذلك من خلال البدء في إنشاء بحوثات علمية لإنتاج أدوية تخصصية لتحقيق أمن دوائي.

ويبقى القول إن تشجيع الصناعة الدوائية المحلية سيخفف كثيراً من ظاهرة تهريب وتزوير الأدوية ومن مخاطرها اللامتناهية، هذا ما يعتقده ويجزم به كثيرون، على اعتبار أن هذه الصناعة الوليدة بحاجة إلى رعاية ودعم من قبل الحكومة، حتى يثق المواطن بها، وتستمر وتنافس، وتوجد البديل الآمن.

 

 

 

 

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص

كاريكاتير

بدون عنوان