أحداث مُملة تتكرر، وصِراع مَرير لا يتوقف، وصعود مُستمر صوب الهاويه
الساعة 08:14 صباحاً

الإمامة.. سفر طويل من التمددِ والانكماش

بين فِكرة الدولة ودولة الفكرة ثمة علاقة عكسية من الصعب اختزالها، والتنافس الذي حصل خلال الـ 1150 عامًا الفائتة بين دول اليمن المُتعاقبة ودولة الإمامة الزيدية الكهنوتية، ما هو إلا صورة سوداوية لصراع يتكرر، ولو قرأنا تاريخ تلك الدول بتمعن، لوجدنا أنَّها جاءت امتدادًا للدولة التي تتجدد وتتطور وإنْ تغيرت مُسمياتها، بعكس فكرة الإمامة التي تمضي قُدُمًا دون تجديد، وإنْ تغيرت تفسيراتها، وتعددت أسماء من يتولون زمامها.        وأبدأ هذا السرد التاريخي المكثف بالقول: «التاريخ يُعيد نفسه في المرة الأولى كمأساة، وفي الثانية كمهزلة»، وتاريخ الإمامة الزّيدِيّة وفق هذه المُعادلة التي خُلص إليها الفيلسوف هانريك ماركس عبارة عن أحداث مُملة تتكرر، وصراع مَرير لا يتوقف، وصعود مُستمر صوب الهاوية، وسفر طويل من التمدد والانكماش.

الأخوة الأعداء       كان التشيع كان بادئ الأمر حركة سياسية مُساندة للعلويين ضد خصومهم الأمويين، ثم العباسيين، ولم يتحول إلى مذهب ديني مُتطرف إلا بعد وفاة جعفر الصادق 148هـ، حيث أصبحت الولاية جزءًا من العقيدة، وأضحت تلك العقيدة مُلوثة بالعنصرية، ومُكتظة بالموروثات الإسرائيلية، والفارسية، وبعيدة كل البعد عن مقاصد الدين الإسلامي الحنيف.        توجه الطامح يحيى بن الحسين الرسي إلى اليمن 284هـ / 897م، بطلب وإلحاح كبيرين من قبل بعض أعيان قبائل صعدة، بايعوه إمامًا، وتلقب بــ (الهادي)، فصل دولته الدينية ومذهبه الإقصائي ليتناسب وخصائص وطبائع أنصاره، كما كان لنجاح دعاة الدعوة الإسماعيلية أثره البارز في تحفيزه أكثر لتوسيع نفوذه شمالًا وجنوبًا.       مات الرسي يحيى بعد ذلك، تاركًا وراءه دُويلةً آيلةً للسقوط 298هـ، رفض ولده الأكبر محمد تولي الإمامة، وما قبلها إلا على مضضٍ، ليعتزل بعد أنْ ساءته أمور من عشيرته، قام أنصار الزّيدِيّة أمام ذلك الفراغ بمراسلة شقيقه أحمد الذي كان حينها مُقيمًا في جبل الرس، قبل الأخير - بعد أخذ ورد ومراسلات عديدة - دعوتهم، وعاد إلى صعدة، وتولى الإمامة فيها 301هـ، وتلقب بـ (الناصر)، وحارب القبائل التي عارضته، وكانت آخر حروبه مع حسان آل يعفر 322هـ.       كانت لحسان نزعة استقلالية في حُكم المناطق الشمالية، قدم إلى صعدة لنُصرة اليرسميين في حربهم مع الأكيليين، وهي الفتنة التي جعلت الناصر أحمد يلزم منزله، أتت قبائل خولان الشام لنصرة الأخير، إلا أنها لم تُغنِ عنه شيئًا، كانت هزيمته ماحقة، مرض مرضه الأخير، ومات، اجتاح الأمير حسان المدينة، فيما غادرها العلويون، منهم من توجه إلى القبائل المناصرة لهم، ومنهم من توجه إلى أسعد بن يعفر حاكم صنعاء، أنجدهم الأخير، وأنجدتهم القبائل، فعادوا إلى صعدة، وعاد بعودتهم الصراع.       شَهِدت الإمامة الزّيدِيّة على يد أحفاد الهادي يحيى ملامح انهيارها الأول، تنافس الأخوة الأعداء، وافترقوا إلى أبناء حرائر وجوارٍ، تصارعوا، ثم تقاتلوا، فكان الحال أقرب لحرب العصابات، كانت نِهايتهم حينها وشيكة، وما كان لإمامتهم أنْ تُعاود الظهور من جديد لولا مُناصرة الشيخ قيس بن الضحاك الحاشدي لها، وتعصبه لمذهبها، ودعمه لدعاتها الذين تصدَّروا حينها المشهد.

 

قدوم الطامحين       لم يَكن مَقدم الطامح يحيى بن الحسين إلى اليمن إلا بداية لتوالي قدوم الطامحين من أبناء عمومته، لمنافسة أحفاده المُتصارعين؛ في البدء قدِم القاسم العياني بطلب من أعيان صعدة 389هـ، ثم القاسم الزيدي، ثم أبو هاشم الحسني، ثم أبو الفتح الديلمي 437هـ، تلقف غالبية أبناء القبائل الشمالية دعواتهم، وضحوا في سبيل نُصرتهم بالمال والرجال.       عاشت الإمامة الزّيدِيّة بعد ذلك فترات انقطاع مَحدودة، وكانت بعد كل انكماشة تعود لتتمدد بقوة، كان انقطاعها الأطول في عهد الدولة الصليحية التي تأسست عام 439هـ، اختفى حينها دعاة الإمامة، وانكفأ أنصارها، حتى أنَّ دولتهم في طبرستان كانت قريبة من ذات المصير، ليجدد حضورها من جيلان الإمام أبو طالب الأخير 502هـ، أرسل الأخير دعوته إلى اليمن، فتلقفها المحسن بن الحسن، إلا أنَّ تلك التبعية لم تُغير في خريطة الإمامة شيئًا؛ بل كشفت مدى الضعف الذي وصل إليه إماميو اليمن خلال تلك الحقبة.       انتهت الدولة الصليحية بوفاة الملكة سيدة بنت أحمد 532هـ / 1138م، أعلن حينها أحمد بن سليمان دعوته، وتلقب بــ (المُتوكل)، ليعلن بعد عشر سنوات من الصراع عن تنحيه، عقد العلويون مؤتمرًا كَبيرًا حضره 1,800 منهم، وكبار أنصارهم، تداعوا له من أغلب المناطق، وناقشوا فيه أسباب خمول دعوتهم، وانكماشة دولتهم، وبتحشيد من الشيخ محمد بن عُباد الخولاني اختاروا ابن سليمان إمامًا مرة أخرى.       عادت بعد ذلك بعدة سنوات التمردات على ابن سليمان لسابق عهدها، نكث أخواله من آل العياني بيعته، وانضم حولهم معارضوه، حفزوا الأمير فليته العياني للنهوض، دارت حروب وخطوب، نجح أنصار الأخير في أسر الإمام 565هـ، لتدخل الإمامة بعد وفاته مرحلة الانكماشة الصغرى.    حل وسط 

قَـدِم الأيوبيون بِقيادة توران شاه إلى اليمن عام 569هـ، قضى الأمير الأيوبي في أقل من عام على جميع الدويلات المُتصارعة، ليخلفه بعد رحيله أخوه الأقوى طُغكتين، وحين توفي الأخير، أعلن عبدالله بن حمزة من صعدة نفسه إمامًا 593هـ، مُتلقبًا بــ (المنصور)، ساهمت الخلافات الأيوبية - الأيوبية في تمدده حتى صنعاء، وذمار، إلا أنَّ سيطرته عليهما لم تدم طويلًا.       تنفس الأيوبيون بعد وفاة عبدالله بن حمزة الصعداء 614هـ، انقضوا بسرعة خاطفة على المناطق الشمالية، ساهمت الخلافات الزّيدِيّة - الزّيدِيّة في تمددهم هذه المرة، لتعاود الإمامة الزّيدِيّة الظهور بعد إعلان أحمد بن الحسين من ثلا نفسه إمامًا 646هـ.       أجمع غالبية علماء الزّيدِيّة وأنصارها على ابن الحسين، وقيل أنَّ اختياره كان كحل وسط لإنهاء الصراع الدائر بين الحمزات وآل الهادي؛ ولأنَّه ليس من الفريقين، فنسبه يتصل بالإمام القاسم بن إبراهيم طباطبا، كانت الدولة الرسولية حينها تحت قيادة سلطانها الثاني المُظفر يوسف بن عُمر بن رسول.       تقوى خلال الأربع السنوات الأولى من حُكم المُظفر أمر الإمام الجديد، سيطر على صنعاء ثلاث مرات، خضع الحمزات له، فعمل على إذلالهم؛ ارتموا في أحضان الرسوليين، فتقوى بذلك أمر الأخيرين، استعادوا صنعاء، وسيطروا على صعدة، واستطاع الحمزات بدعم منهم القضاء على ابن الحسين بشكل نهائي 656هـ، ولم تقم لدولة الإمامة بعد ذلك قائمة لعدة سنوات.       بوفاة السلطان الرسولي الرابع المُؤيد داؤود بن يوسف 721هـ، وتولي ولده المُجاهد علي الحكم، دخلت الدولة الرسولية مرحلة التيه والضعف، وتقوت في المُقابل دولة الإمامة الزّيدِيّة، وتحولت من الدفاع إلى الهجوم، واستولى إمامها المهدي محمد بن المُتوكل المُطهَّر على صنعاء 723هـ، وأنهى في العام التالي سيطرة الرسوليين على مُعظم المناطق الشمالية.

غاية الضعف       بانتهاء الدولة الرسولية مطلع عام 858هـ / 1454م، ابتدأ عهد ولاتهم بني طاهر، كانت الإمامة الزّيدِيّة حينها في غاية الضعف، وكان الصراع بين الإمام الهادوي الناصر بن محمد، والإمام الحمزي المُطهَّر بن محمد على أوجه، ولولا ذلك التنافس لتمكّن هؤلاء من وراثة ملك بني رسول بكل سهولة ويسر.       بعد عامين من قضاء السلطان عامر بن عبدالوهاب على دولة الإمامة الزّيدِيّة في صنعاء، وجدها يحيى شرف الدين فرصة سانحة لتصدر المشهد، أعلن نفسه إمامًا 912هـ، وتلقب بــ (المُتوكل)، وقد كانت العشر السنوات الأولى من إمامته ذات حضور باهت؛ بل لم تتجاوز ظفير حجة مُنطلق دعوته.  

بقتلهم السلطان عامر على تخوم صنعاء 923هـ / 1517م، أنهى المماليك حقبة الدولة الطاهرية، لتنتهي في ذات العام دولتهم بمصر والشام؛ ضعفت بفعل ذلك سلطتهم في اليمن، وتقوى في المُقابل الإمام شرف الدين، لينجح الأخير بعد أكثر من 15 عامًا من الحروب والصراعات بينه وبين بني عمومته في السيطرة على صعدة، فيما نجح ولده الأمير المُطهَّر في السيطرة على إب، وتعز.       جاء الأتراك بحملاتهم العسكرية، سيطروا على السواحل اليمنية، وعلى تعز، وإب، وصنعاء، كان الأمير المُطهَّر حينها قد انقلب على أبيه 953هـ، حصروه في ثلا، ليصالحهم لعدة سنوات، استغل بعد ذلك خلافاتهم، وأعاد السيطرة على تلك المناطق، جاءوا بحملة كبرى، وحصروه مرة أخرى في ثلا، لتنتهي بوفاته 980هـ إمامة أسرة شرف الدين، ولم يستطيعوا النهوض من جديد رغم عدة محاولات يائسة. 

انتصارات خاطفة       قاد القاسم بن محمد مُقاومة عنيفة ضد الأتراك، وذلك بعد أكثر من سبعة عقود من تواجدهم الأول في اليمن؛ مُستغلًا ركونهم للاستقرار، وتقليصهم لعدد قواتهم، أعلن نفسه إمامًا 1006هـ / 1598م، وتلقب بـ (المنصور)، وصالحهم بعد حروب وخطوب، واعترفوا به حاكمـًا على المناطق الشمالية، ليختار أعوانه بعد وفاته ولده الأكبر محمد 1029هـ، تلقب الأخير بــ (المُؤيد)، ولم يتعكر صفو الصلح بينه وبين الأتراك لسبعة أعوام.       وصل حكم الأتراك في عهد الوالي حيدر باشا إلى الحضيض؛ الأمر الذي فتح شهية المُؤيد محمد للانقضاض على باقي المناطق الشمالية، مُسجلًا مطلع عام 1036هـ نقضًا رسميًا للصلح، اشتعلت المواجهات، وحققت القوات الإمامية انتصارات خاطفة، سقطت صنعاء، ثم تعز، ودانت المناطق الوسطى وتهامة للدولة القاسمية، ليتمكن الإمام الثالث لذات الدولة المُتوكل إسماعيل بن القاسم من مد سيطرته على الجنوب اليمني حتى ظفار.  

بتولي صاحب المواهب محمد بن أحمد الإمامة 1097هـ، بدأ تنافس الجيل الثالث من آل القاسم على الحُكم، لتصفوا الإمامة بعد وفاته لابن أخيه المُتوكل القاسم ابن الحسين 1130هـ، جعل الأخير من مدينة صنعاء عاصمة له ولمن بعده، مُؤسسًا بذلك لحكم أسرته، ولأكثر من 120 عامًا، لترتفع بوفاته وتيرة الصراع القاسمي - القاسمي، ليستقر الأمر في النهاية لولده الحسين، الذي تلقب بــ (المنصور).       لم تكد أحوال دولة المنصور تستقر، حتى بدأت البلاد تتناقص عليه من أطرافها، انكمشت خريطة الإمامة الزّيدِيّة، وتشكلت سلطنات صغيرة عمت الجنوب اليمني حتى حضرموت، كما كان لانهيار تجارة البن، وارتفاع أسعاره، وتحول الدول الأوربية لاستيراده من جنوب شرق آسيا أثره البالغ في ذلك التحول المُريع.         تولى الإمامة بعد ذلك ولده المهدي عباس، ثم حفيده المنصور علي 1189هـ / 1775م، كان الأخير حسب توصيف اللورد فالنتيا ضعيف الإرادة، واهن العزيمة؛ الأمر الذي انعكس سلبًا على مَسار الدولة القاسمية، فدخلت مرحلة الضعف والانكماشة الشديدة، في الوقت الذي كانت فيه الدولة السعودية في قمة عنفوانها، قامت الأخيرة بعد 61 عامًا من تأسيسها بِعدّة عمليات توسعية، شملت مُعظم مناطق الجزيرة العربية وتهامة، ووصلت في إحداها إلى مشارف صنعاء، وهددت دولة الإمامة بالزوال.        المهدي عبد الله هو آخر الأئمة القاسميين الأقوياء، تولى الإمامة بعد وفاة والده المُتوكل أحمد بن المنصور علي 1231هـ، عمل جاهدًا على استعادة تهامة إلى حظيرة دولته، وفي عهده وصلت قوات محمد علي باشا إلى شبه الجزيرة العربية، وتمكّنت من القضاء على الدولة السعودية الأولى، وسيطرت على تهامة 1233هـ، وجعلتها تابعة لسلطات الدولة القاسمية، وهو الوضع الذي استمر لـ 13 عامًا. نتيجة متوقعة        خلال النصف الثاني من القرن الثالث عشر الهجري دخلت الإمامة الزّيدِيّة مرحلة التيه والضعف الشديد، عصفت الخلافات الأسرية والتمردات القبلية بشبه الدولة المُتبقي، وانحصرت بأئمتها الجدد - ما كان أكثرهم - في القلاع العالية، والمناطق البعيدة، وارتفعت وتيرة التنافس الانجلو - تركي على السواحل اليمنية، خاصة بعد افتتاح قناة السويس، وصار اللاعب الخارجي هو المُتحكم الرئيس بالجغرافيا والإنسان. 

 

عاود الأتراك استيلائهم على صنعاء 1289هـ / 1872م، وامتدت سيطرتهم لتشمل جميع المناطق الوسطى، ولم تستعد دولة الإمامة عافيتها إلا بعد تولي الإمام المُتوكل يحيى حميد الدين الحكم 1322هـ / 1904، واعتراف الأتراك به حاكمـًا على معظم المناطق الشمالية، ليدخل بعد هزيمتهم في الحرب العالمية الأولى صنعاء 1337هـ / 1918م، وامتدت سيطرته بعد حروب وخطوب لتشمل المناطق الوسطى وتهامة، وعددًا من المحميات الجنوبية لبعض الوقت، وهو الوضع الذي استمر حتى قيام الثورة السبتمبرية.        بعد عدة محاولات فاشلة لاغتياله، توفي الإمام الناصر أحمد يحيى حميد الدين في مدينة تعز 19سبتمبر 1962م، خلفه ولده محمد البدر، تلقب الأخير بـ (المنصور)، ليهرب بعد سبعة أيام بصعوبة بالغة؛ بعد أن أعلن الثوار بقيادة قائد حرسه عبدالله السلال قيام الجمهورية العربية اليمنية.        صحيح أنَّ الإمامة الزّيدِيّة عادت بعد المُصالحة الوطنية لانكماشتها الاعتيادية 1970م، إلا أنَّ عودة أعضائها الفاعلين لتقاسم السلطة والثروة، وممارسة مهامهم داخل النظام الجديد؛ حال دون تحقيق الثورة السبتمبرية لأهدافها المُعلنة، وساهم إلى حدٍ كبير في إقصاء الثوار الحقيقيين، وتشكيل جيش مناطقي ولاءه للقبيلة، وإفراغ الجمهورية من مضمونها، وما حدث في عام 1435هـ / 2014م من انتكاسة صادمة، ما هو إلا نتيجة مُتوقعة لتلك التراكمات.       وفي المُحصلة المأساوية لم يكن تمدد الإماميين الجدد محض صدفة أو ارتجال؛ فثمة ارتباط وثيق بين هؤلاء وماضيهم، تمامـًا كـبني إسرائيل، استفادوا منه، وأعادوا تدويره، وحين انهارت الدولة من الداخل، حلوا محلها، ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية قاهرة خدمتهم، وبقراءة فاحصة لعوامل تمددهم، نجد أنَّهم اعتمدوا في الأساس على الدين المزيف، والأنصار المخدوعين، على اعتبار أنَّ دولة الكهنوت تبدأ - كما أفاد الفيلسوف الفرنسي فولتير - عندما يلتقي أكبر مُحتال بأكبر مُغفل.       ضربوا بعد ذلك القبائل الشمالية بعضها ببعض، حتى إذا ما استتب لهم أمرها، أطلقوها على الطرف الآخر، بعد أنْ غذوها بالنعرات المناطقية، والطائفية، والتكفيرية؛ كونها باعتقادهم أسرع وسيلة للتحشيد، خاصة في مُجتمع يغلب عليه الجهل، وتستوطنه ثقافة الفيد، وما شيوع مُفردات: (في عقر دارهم، واليمن حقنا) إلا لتكريس منطق التسلط والغلبة، وهي مُفردات اكتظت بها أدبيات الإماميين الجدد، كما اكتظت بها كتب أسلافهم من قبل، مع اختلاف بسيط في التشبيه، والتسمية.

فكرة مُتحفزة       عبر تاريخها الطويل تنكمش الإمامة الزيدية إذا ما وجدت دولة وحاكمًا قويًا يَصُدها، وتتمدد إذا حصل العكس. والأكثر مرارة أنَّها - أي الإمامة - ظلت خلال هذه المدة الطويلة بنظر مُعتنقيها عقيدة، وجزءًا من الدين؛ ولهذا صعب على الأحرار الأوائل اجتثاثها، ظلت كامنة مُتحفزة كفكرة، وعاودت حين سنحت لها الفُرصة الظهور من جديد كدولة، وبصورة أكثر فظاعة.       ومن هذا المُنطلق، وكي لا يظل التنافس والصراع بين فكرة الدولة، ودولة الفكرة حتى قيام الساعة، ينبغي علينا التحرر من العصبية والعنصرية المقيتة، ومُجابهة الفكر الكهنوتي بالفكر العقلاني، من خلال العودة إلى الجذور، ونبش تاريخ الإجرام الإمامي، وإلغاء المذهب الديني الأيديولوجي الحامل لهذه الفكرة الريديكالية المُتطرفة، والعابرة للأزمنة، وفضح وتعرية أربابها، من أطلقوا عليهم (الأئمة المُعتبرين)، وتعزيز حضور الدولة، والجمهورية، وكل القيم الإنسانية النبيلة.

نقلا عن صحيفة (26 سبتمبر)

 

 

 

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص

كاريكاتير

بدون عنوان