قراءة في كتاب "الجريمة المركبة.. أصول التجويع العنصري في اليمن" (2)
الساعة 04:07 مساءً

من صعده التي بدأ منها الكاهن يحيى الرسي تأسيس مذهبه السياسي تحت مسمى الزيدية، وانطلقت منها المشاريع الإمامية ظهر مجددا الكاهن حسين بدرالدين الحوثي ليبدأ مسيرة الحركة الحوثية السياسية وتمردها على الدولة الذي انتهى بانقلاب الحوثيين في 21 سبتمبر 2014م.
ويرى الكاتب ان السياسة الإيرانية في هذه المرحلة اتخذت من العقيدة السياسية والايديلوجيا الخاصة بالحكم في ايران مجالا لتصدير ثورتها القائمة على أساس استغلال المعايير الإسلامية والالتزامات الأخوية التي تجمع المسلمين وتعتبر نفسها مسؤولة عنهم، وجعلوا منها مبررا لهجومهم العسكري والعقائدي على عددا من الدول العربية بما فيها اليمن.
لتبدا عقب سيطرتهم على الدولة عملية التجويع من اجل التطويع وهي منهجية سار عليها دعاة الإمامة الزيدية طوال فترات حكمهم، فألى جانب ممارستهم استقطاع مساحات واسعة من الأراضي لصالح الاسر الهاشمية المطالبة بالحكم، مارس نظام الإمامة سياسة النهب المنظم تجاه الفئات الاجتماعية الراضخة لحكمهم وبالأخص طبقة الفلاحين، وممارسة نظام الخطاط بحقها ويعتبر الخطاط احدى وسائل التجويع القهري الذي استخدمه الكهنة ضد أبناء الشعب، وهو نظام يسلط من خلاله الكهنة رجال القبائل المواليين لهم ليحلوا أياما واسابيع في منازل وقرى القبائل الأخرى ويجبروهم على دفع الاتاوات والزكوات وغيرها من المطالب التي كانت تثقل كاهل اليمنيين حتى يسلموا ما لديهم لهذه السلطات.
وكان الامام يسمي هذه الخطاط "حرب العصيد"، والقصد منها حرب الطعام، أي نهب ما لدى هذه القبائل من طعام حتى اخضاعهم.
باختصار لقد قُرن حكم الإمامة بالمجاعات التي كانت تميز فترات حكمهم وحروبهم على اليمنيين.
وتحت عنوان صناعة الكارثة يبحث الكاتب حول التداعيات الإنسانية لسيطرة مليشيات التمرد الحوثية وانعكاسها على الشعب مستعرضا تقارير الهيئات والمنظمات الدولية حيث يشير تقرير هيئة الأمم المتحدة الى ان 7‘ 20 مليون يمني ( 66% من مجموع سكان اليمن) بحاجة الى مساعدات إنسانية وان حوالي 12 مليون مواطن بحاجة ماسة للمواد الغذائية الأساسية والصحية.
ويشير الكاتب الى ان تدهور الوضع الاقتصادي الناشئ عن سيطرتهم افرز طبقة من تجار الحرب من نفس السلالة التي انتهجت سياسة نهب واستغلال موارد الدولة لصالحها مما اسهم في توسع نطاق الفقر خاصة بعدما حرم الموظفين من مستحقاتهم الوظيفية.
  ويوضح الكاتب مساعي الحوثيين في تجويع أبناء الشعب وعسكرة حياة اليمنيين وجعل الانضمام العسكري الى جماعتهم شرطا بديلا   لاستحقاقاتهم الطبيعية للحصول المشروط على المعونات والرواتب التي تساعدهم واسرهم على البقاء.
ومارس الحوثيون اهداف سياسية لتثبيت سيطرتهم وافشال جهود استعادة الدولة، واستخدام لافتة الوضع الإنساني لإيقاف تقدم القوات الحكومية، ويرى الكاتب ان ثمة أسباب سياسية وعسكرية وإقليمية ودولية كثيرة ساهمت في فرض الحوثيين فرص الانقضاض على مؤسسات الدولة، ومقدراتها وقدراتها العسكرية والأمنية.
فنفذت الجماعة عملية تهجير للعناصر مجتمعية الفاعلة والمفكرة الرافضة لهم، وسرحت عشرات الالاف من العمال في المؤسسات الحكومية ومنحت العناصر السلالية القريبة منهم حق احتكار الوظيفة العامة لصالحهم.
وامعانا في تطويع المجتمع عبر التجويع والافقار تمكن الحوثيون من تطويع الكثير من الاسر وجعلها اكثر استعدادا عن التخلي على معتقداتها من اجل الحصول على ما يمكن من وسائل العيش، وتمكنت من استهداف هوية اليمنيين ومعتقاداتهم.
ويرى الكاتب ان الحوثيين قد غيروا من استراتيجيتهم في تضليل المجتمع الدولي الذي يجرم العنصرية، فلم يجاهروا بطبيعة توجههم السياسي في الحكم وفق نظرية الولاية بشكل مباشر وانما استخدموا عددا من الأساليب التضليلية في سبيل اخضاع الشعب لها ومنها رفع شعارات استغلالية مغايرة وغير متصلة بواقع حربهم ضد اليمنيين ومنها رفعهم لشعار الموت لأمريكا وإسرائيل ونصرة القدس ومحاربة الاستكبار العالمي وغيرها من الشعارات الوطنية والدينية التي تم توظيفها لصالحهم.

ومن خلال تتبع الكاتب لرحلة الحوثيين الاجرامية في حق الشعب يرى ان تلك السياسات كانت تهدف الى وضع اليمنيين امام خيارين لا ثالث لهما: اما ان يرفضوا هذه الهمجية السلالية فيتعرضون للإبادة الجسدية المباشرة، او يخضعوا وتعايشوا مع الواقع ليتعرضوا للإبادة الفكرية ومحو الهوية وتنصيب هوية وثقافة أخرى تجعل من عرقية لا تمثل 1% من اجمالي الشعب عبارة عن سادة وبقية اليمنيين عبيد باسم الحق الإلهي. 
ويتحدث الكاتب عن الحشود المقهورة التي تشارك الحوثيين الاحتفال في مناسباتهم الدينية والوطنية المزعومة، وكيف يتم استغلال قوى المجتمع مرغمة للمشاركة فيها من اجل الحصول على الفتات من المواد الضرورية او الإبقاء على وظيفتهم العامة او الحفاظ على مقاعدهم الدراسية.
وفي الفصل الثاني من هذا الكتاب يناقش الباحث أساليب التجويع التي يستخدمها الحوثيين بحق أبناء الشعب، عبر مجموعة من السياسات التي تبدا بجمع الإيرادات وجباية الاتاوات تحت مسمى جمع الزكاة والخمس واموال الوقف والضرائب والجمارك ورسوم الاشتراكات في المؤسسات الحكومية كالاتصالات والخدمات الأخرى ساردا في توضيح عملية الاستغلال ذلك العديد من الممارسات والأنشطة التي اثقلت كاهل الشعب ووسعت من سلطة رقعة الفقر والمعاناة، ونهب الاحتياطي النقدي والتسبب في تدهور العملة، والمطالع لهذا الكتاب سيجد كم من السياسات والجرائم الموجهة التي اعتمدها الحوثيين في سبيل الاثراء وسياسة التجويع الناتج الطبعي لهذه الممارسات. 
 وفي الفصل الثالث من الكتاب يحدثنا الكاتب عن جريمة التهجير ومعاناة النزوح، ويرى الكاتب انه عند الحديث عن الحرب في اليمن لابد من الإشارة الى عملية التهجير الممنهج والقسري ضد اليمنيين، وان غالبية من عانوا منها هم من اليمنيين الرافضين الرضوخ للحوثيين سياسيا او ثقافيا، وكانت سياسة التهجير تمارس بدوافع عرقطائفية، وهو نزوح بسبب معتقداتهم الدينية او ارائهم الرافضة للفكر العنصري الحوثي وليس نزوحا بفعل الحرب واثارها التدميرية، وتعتبر عملية تفجير منازل الخصوم من ابرز جرائم التهجير.
وامعانا في زيادة معاناة الشعب انتهج الحوثيين عددا من الأساليب التي تعوق من تقديم المساعدات الإنسانية عبر المانحين والهيئات والمنظمات الدولية وكيف يتم استغلال تلك الموارد الإنسانية لصالح الجماعة ومنع وصولها الى المستحقين، داعما هذا الملف بالعديد من الاحداث والشهادات والقرارات الأممية التي صدرت بهذا الخصوص كما تطرق الكاتب الى عسكرة المدن الرئيسة والعمل على حصارها والتحكم في دخول المواد الغذائية والتموينية اليها وسياسة التضييق والخنق والافقار التي تتعرض لها هذه المدن وعلى وجه الخصوص كلا من تعز والمناطق التهامية في اليمن التي تعاني من ابشع عملية افقار واستغلال عرفتها على ايدي هذه الجماعة.
وتطرق الكاتب الى زراعة الألغام التي ينتهجها الحوثيين عبر زراعة الاف ن الهكترات من الأراضي بالألغام والعبوات المتفجرة وربطها بسياسة التجويع تحت عنوان" الألغام والمتفجرات المموهة ... زراعة الجوع وحصاد الجائعين" ولعلنا من خلال هذا العنوان نستسقي الخطوط العريضة الناتجة عن زراعة الأرقام وضحاياها.
 ويرى الكاتب ان الحوثيين من خلال زراعتهم للألغام يعتبرون كل يمني حر خصم وعدو لهم فيزرع الحوثيون الألغام في كل المناطق التي يسيطرون عليها وهم يعرفون ان المتضررين من هذه الألغام هم المدنيين.
وفي الفصل الرابع والأخير من هذا الكتاب يطالعنا الكاتب عن تفاصيل مهمة حول السياسات الحوثية التي تتعمد تعطيل التنمية، حيث شكل توقف اشكال التنمية في البلاد احد اهم الكوارث التي نتجت عن سطو الحوثيين على مؤسسات الدولة، ووفقا لدراسة اجراها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في 23 ابريل 2019م، أدى استمرار هذه الجامعة في الخوض بالحرب الى انتكاس في التنمية البشرية لمدة 21 عام نحو الوراء، واستهدفت تلك السياسات اعتماد اليمنيين على الإغاثة بدلا عن التنمية، ومساهمة تلك السياسة في انتكاس لرأس المال البشري، حسب مؤشر الصحة والتعليم والتوظيف.

وقد ارفق الكاتب العديد من الشهادات الدولية والمحلية التي تتحدث عن السرقة والتجويع.
وأورد الكاتب في الدراسة عددا من الخسائر الاقتصادية الرسمية جراء الانقلاب الحوثي، وارتفاع معدلات الفقر الى 90% نهاية عام 2018م. 
وسيطرة مليشيات الحوثيين على ملكيات العديد من الشركات التابعة لشخصيات معارضة، وتنافي تلك السياسات مع القانون الدولي ودور القانون الدولي في مكافحة سياسات نهب الأموال والممتلكات العامة والخاصة، وتعارض سياسات الحوثيين كاملة مع القوانين الدولية بما فيها سياسة زراعة الألغام.
كما ارفق الكاتب ملحق خاص بفصول الكتاب وشمل عرض صور للعديد من الإجراءات والقرارات والقوانين والاحداث التي شهدتها اليمن في فترة سيطرة الحوثيين وحربهم، لإعطاء صورة مكتملة عن حقيقة الأوضاع في اليمن والمعاناة التي خلفتها هذه السيطرة واسهمت في تجويع اليمنيين وافقارهم عبر مجموعة من الجرائم المركبة التي تم عرضها وتوثيقها في هذا الكتاب.
 ودمتم بخير

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص

كاريكاتير

بدون عنوان