الهيمنة اليهودية على أميركا
الساعة 10:44 صباحاً

تقاتل إسرائيل في غزة [أو تلقي القنابل والصواريخ ولا تقاتل]، وتتوعد الضفة الغربية. تجتاح مدن الضفة الغربية وتتوعد جنوب لبنان. تهاجم جنوب لبنان، وتتوعد بيروت. تصف قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الداعي إلى إيقاف إطلاق النار ب"وصمة عار على جبين الإنسانية" وتتوعد اليمن. تمهل المجتمع الدولي قائلة "وإلا فسوف نذهب بمفردنا" وفي الوقت نفسه تهاجم الأراضي السورية. تتوعد إيران وتصيب الأراضي المصرية عن طريق الخطأ.

وبينما العالم الغربي يغطيها أخلاقياً، مع كثير من الهذر حول مشروع حل الدولتين، يقف نتنياهو ومساعدوه ليقولوا للعالم: لن نقبل، بالمطلق، بدولة فلسطينية على حدودنا. ما نَقل النقاش في الاستوديوهات الصديقة إلى الحديث عن نظام نتنياهو الراديكالي والتعقيدات التي يخلقها. نقاش عند الحد الأدنى من العتاب الذي لا يقول شيئاً.  

يقامر نتنياهو جارّاً معه بايدن [أو أبو شخّة، حد وصف غزّاوي طالع من الأنقاض] إلى هلاكه السياسي. ينظر نتنياهو يمنة ويسرة فيرى خارطة السياسة الخارجية الأميركية مريحة وكما يطمح لرؤيتها. السفراء الأميركيون "اليهود" يملؤون الدنيا، ويؤدون مهمتهم في صناعة الإجماع: اليابان، سنغافوره، الهند، ألمانيا، كندا، الأرجنتين، الاتحاد الأوروبي، بلجيكا، الدنمارك، وغيرها. خارطة ممتدة من مطلع الشمس إلى مغربها، أميركا يمثّلها السفراء اليهود الذين يبذلون قصارى جهدهم من أجل المشروع الصهيوني. فقد قالت دراسة أجراها مركز PEW، المتخصص في قياس الرأي، في العام 2020 إن 83 %  من يهود أميركا يرون دعم إسرائيل مسألة وجودية.

حين نتحدث عن يهود أميركا فإن الحقائق تذهب إلى قطاع من المجتمع تعداده سبعة ملايين ونصف المليون [إحصاءات 2022]، فاعل، مهيمن، عميق، ومؤدلج.

 يمكن القول إن المجتمع اليهودي هو القوة الضاربة الأولى في الولايات المتحدة الأميركية. إذ تعلّق صحيفة تايمز أوف إسرائيل على قائمة فوربس للأغنياء، 2018، قائلة: خمسة يهود في قائمة العشرة الأغنى في أميركا، يتقدمهم زوكربيرغ، مالك فيس بوك الذي حلّ في المرتبة الرابعة. ثم لاري إيليسون مؤسس أوراكل الذي حل في المرتبة الخامسة، ومن بعده لاري بيج المؤسس الشريك لغوغل الذي حلّ في المرتبة السادسة.

تعود تايمز أوف إسرائيل في العام 2023 لتنقل عن قائمة فوربس للأثرياء ال25 الأكثر تبرّعاً في مجالات: البحث العلمي [الذكاء الاصطناعي، أبحاث الجينات]، الطاقة النظيفة، المساعدات الإنسانية، وسواها. منهم 12 ثري يهودي، قرابة نصف العدد. يبسُط المجتمع اليهودي، الذي يشكل 2% من السكان، هيمنته على كل البلاد، ويبدو اليهودي الجديد في أعين الناس فاعل الخير الأعظم في القارة. ففي دراسة لمركز Pew  قال 40 % من الأميركان الإنجيليين إن ما تقدمه أميركا لإسرائيل من دعم "غير كاف". 

الأيام الماضية أرتنا كيف بدت أميركا، بمجلسها التشريعي، مستعدة لتدمير أهم جامعاتها [هارفارد، بنسلفانيا، إم آي تي] تجمّلاً لدى أثرياء المجتمع. يخوض الجمهوريون، تتقدمهم النائبة ستيفانيك، حملة لإيقاف الدعم عن جامعة هارفارد غير آبهين بسقوطها. ذلك أن إدارتها رفضت حظر النشاط المؤيد لفلسطين. ثمة نماذج عديدة ضحى فيها القادة الأميركيون بمصالح بلادهم خدمة للهيمنة الصهيونية.

النصيحة الثمينة التي قدمها الأميركان لإسرائيل، عقب السابع من أكتوبر: لا تركبوا ظهر الغضب، سيجعلكم ترتكبون الحماقات كما حدث معنا. ركب الإسرائيليون ظهر الغضب، وأخذوا مهم أميركا في طريق الحماقات، أميركا التي لا تتعلم، أو تتعلم وتجبر على النسيان. لا تستطيع الولايات المتحدة سوى أن تخدم الإرادة الإسرائيلية، حتى وشعبية بايدن تهبط إلى ما دون ال 35% ما يجعل خسارته للانتخابات القادمة مسألة زمن. 

الإشارة إلى الهيمنة اليهودية على أميركا، ومن خلالها على العالم، تعد من قبيل معاداة السامية بحسب التعريف الذي اعتمده الاتحاد الأوروبي قبل خمسة أعوام. ومن المثير أن مشاركة الأوروبيين لنتنياهو رقصة الموت تبدو خدمة لأميركا أكثر منها التزاماً بمساعدة إسرائيل. فقد اكتشفت ألمانيا أن روسيا تعدّ تهديداً وجودياً بالنسبة لها، كما نصّت على ذلك في استراتيجية الأمن التي اعتمدتها قبل أشهر. أمام تهديد وجودي على هذا المستوى فمن الأفضل الاحتماء بالأخ الأكبر، الذي سيكون ويا للمصادفة إسرائيل. فعندما يذهب الألمان إلى سفارة أميركا في برلين ويجدون سفيرها "اليهودي" في انتظارهم يدركون جيداً الطريق إلى قلب الأخت الكبرى، تلك العظيمة القادرة على حماية برلين من المخاطر كما فعلت قبل ثمانين عاماً.

أميركا ليست محايدة في هذا الصراع، بل تخوض حربها الخاصة. وبات من العبث الاعتقاد أن أميركا تضع فارقاً بين كاليفورنيا وإسرائيل، أو منهاتن وتل أبيب. أو أنها تعني ما تقول حين تهذي حول مشروع حل الدولتين. 

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص

كاريكاتير

بدون عنوان