احتمال القراصنة!
الساعة 11:13 مساءً

 

 1. في الأيام، أو الساعات، الماضية نشرت أهم منصتي أبحاث صينية المعايير الجديدة الواجب توفرها في الأوراق العلمية التي يُراد نشرها. ضمن تلك المعايير التالي: هناك مجلس خاص وفريق علمي ووزارة. يقوم الفريق العلمي بفحص الورقة فنياً وعلمياً، وإذا نالت موافقته ترفع إلى "مجلس خاص" يتبع وزارة العلوم والتكنولوجيا MOST. ستنظر الوزارة، على نحو خاص، في المسائل المتعلقة ب"السردية". ثم سيقوم المجلس الخاص بالاتصال بالباحث! بحسب التحرّي المثير الذي قامت به "الغارديان" فإن الصين قررت التحكم بالرواية/ السردية العلمية، سردية المصدر. وفقاً لهذه المعايير فإن السلطات ستبادر إلى حذف أي نص علمي أو أكاديمي يشير إلى مصدر فيروس كورونا. "ثمة كورونا، ولا نعرف من أين جاء". كانت جامعة ووهان وجامعة فودان [شنغهاي] قد نشرتا المعايير الجديدة ثم قامتا بحذفها. كما اختفت مجموعة كبيرة من الأبحاث المبكرة التي ربطت وباء كوفيد 19 بمصدر جغرافي صيني. 2. على الجانب الآخر من العالم تغرق الولايات المتحدة في فوضى طبية متزايدة، وعلى وتنزلق من انكماش اقتصادي إلى كساد [حوالي 10 ملايين شخص ملأوا استمارات فقدان عمل]. ينظر ترامب فيما تكتبه صحف كبيرة مثل وول ستريت جورنال، ويقرأ هذه الأخبار: 80% من مصانع ألمانيا تعمل بطاقة تقترب من "القصوى"، ونسبة قريبة من آلة الصين الصناعية أيضاً عادت للعمل. الفيروس الصيني كما يسميه ترامب، أو فيروس ووهان كما يسميه وزير خارجيته، يسوق أميركا إلى ثلاثينات القرن الماضي. في تلك الأيام ساهمت "الحرب"، ضمن عوامل أخرى، في إنقاذ إنقاذ اقتصاد البلاد. يلخص كيفين هاسيت، مستشار اقتصادي سابق لترامب، المشهد في حديثه لسي إن إن: "إما أن ننتظر كساداً عظيماً، أو نبحث وسيلة لدفع الناس مرة أخرى للعودة إلى العمل. في النهاية قد نصبح دولة بلا اقتصاد". في التاريخ، وهو ليس شأنا بعيداً كل البعد، راكم رأس المال البضائع. ولكي يستمر الإنتاج والسباق، لتواصل البضائع تدفقها، نشأت الظاهرة الاستعمارية: غزو العالم من أجل الحصول على المواد الخام ولخلق الأسواق. أميركا في صورتها النهائية هي شركة عملاقة مدرّعة، وإذا فقدت العمال فلن تفقد قوة البطش. كان قرار اشتراكها في الحرب العالمية الثانية قرارا رأسمالياً في طبيعته. تحدثت الصحف الألمانية، في الأيام الماضية، عن الأميركيين الذين يشترون البضائع الصينية بأربعة أضعاف ثمنها من داخل موانئ الصينية، رغم علمهم أنها بضائع اشترتها فرنسا أو ألمانيا. الخبر الاقتصادي القادم من أميركا مثير للقلق على كل الأصعدة، وهو أكثر أهمية من الخبر الطبي. 3. توقع الدكتور فاوتشيو، المصاحب لترامب، هذا السيناريو: هبوط حاد في درجة الوباء، كما حدث لأوبئة كثيرة في التاريخ. قال إن الوفيات ستتصاعد لمدة أسابيع بعد أن تسجل الحالات انخفاضاً. فعداد الوفيات هو آخر"عدّاد" يشهد تحسناً في مشهد الوباء. تموت الحالات الحرجة بالتدريج بعد أن تكون قد قضت يزيد أو يقل طويلا في العناية المركزة. 4. الصراع مع وباء كوفيد 19 هو لعبة حظ غير مفهومة. إذا ما أخذنا في الحسبان البيانات التي تقول إن 5% من المصابين يعانون من أعراض شديدة تتطلب نقلهم إلى العناية المركزة فإن السؤال الأكثر أهمية هو: ما الذي يجري في العناية المركزة؟ قال تقرير حديث [تقرير لندن] إن 67% من المرضى الموضوعين على أجهزة التنفس يفارقون الحياة. نتحدث هنا عن ثلثي الحالات. سابقاً حصلنا على بيانات صينية وضعت النسبة في 86%! لا توجد بيانات ألمانية حتى الآن، فيما أعلمه، عن معدل الوفيات في الحالات الموضوعة على التنفس الاصطناعي. ذكرت لكم، سابقاً، قصة شاب يبلغ من العمر 32 عاماً. سأكمل باقي القصة: وضعناه في وحدة العزل في المستشفى. خلال بضعة ساعات تطلب الأمر نقله إلى العناية المركزة بسبب احتياجه الشديد للأكسوجين. بعد وقت قصير وضعناه على التنفس الاصطناعي. وخلال أقل من أربع ساعات كنا قد نقلناه إلى العناية المركزة في الجامعة لوضعه على رئة اصطناعية ECMO 5. أغلب دول العالم لا تملك تقنية الإيكمو، والدول التي تملكها هي تملك أعداداً محدودة منها. الحقيقة أن الأرقام خادعة، والحديث عن أسرة العناية المركزة كمقياس للكفاءة هو حديث متصل بعض الشيء بالموضوع، لا بكل الحكاية. في مواجهة كورونا تحتاج لاستراتيجيات مواجهة شاملة لا لأجهزة تنفس! في النهاية سيموت أربعة من كل خمسة يوضعون على أجهزة التنفس، لذا فهي ليست كلمة السر! وإذا وفرت ألف جهاز فستكون قادراً، إن حالفتك الظروف، على إنقاذ 200 مريض، لا ألف مريض! نحن لا نتحدث عن علاج كوفيد 19 بل عن احتوائه. أن يقسم المجتمع إلى خمسة فئات: مصاب، متعافٍ، مريض يحتمل أن يكون قد أصيب، مخالط بلا أعراض، وسليم لم يخالط أحداً. إذا استطاعت منظومة إدارية متكاملة أن توزع مجتمعها على هذا الشكل فسيسهل عليها احتواء المرض. لا علاج للوباء إذا قرر أن يضرب بقوة، ولا حتى الأجهزة الاصطناعية. خذوا هذا المثال: متوسط عمر المصابين في ألمانيا 49 [ارتفع من 45 عاماً] بينما يقترب في انجلترا من 65 عاماً. الفرق بين مصاب ألماني وآخر انجليزي قرابة 16 عاماً لصالح الألماني. ما يعني فارق ملحوظ في قائمة الأمراض الجانبية التي يعانيان منها. هل يفسر هذا انخفاض معدول الوفيات في ألمانيا مقارنة بانجلترا؟ الإجابة: إلى حد كبير. سمحت ألمانيا للمرض بالتوغل داخل الفئة الشابة ومنعته من التوغل في الفئات الهشة. فسر مركز روبرت كوخ زيادة الوفيات التي لوحظت في الأسابيع الماضية بنجاح الفيروس في الوصول إلى دور العجزة والمسنين. اقتضت الاستراتيجية الألمانية حماية هذه الفئة الهشة، ولأجل أن تنجح في ذلك طاردت الأرقام الشبحية في كل مكان، حتى إنها استطاعت الوصول إلى سيناريوهات العدوى المبكرة، وتخيلتها: في المطاعم، القطارات، الكنائس، المطارات. وضعتها داخل نماذج متخيلة وطاردت المحتملين. 6. يعتمد وباء كوفيد 19 على ما بات يعرف بـ Cluster effect .. أو "أثر الحشود". في كل وباء كان هناك حشد ما، وكان ذلك هو الشرط الأساس. في بلدة مولهاوس، غرب فرنسا، حضر 2500 لممارسة طقس ديني بروتستانتي سنوي: صيام وصلاة لخمسة أيام. بعد انقضاء الطقس كان كاهن الكنيسة و18 من أسرته قد أصيبوا. كما أن ممرضة حضرت العبادة، ولما عادت إلى المستشفى الجامعي في ستراسبورغ تسببت في نقل الفيروس إلى 250 عامل في المشفى [انهيار كامل في وظيفة المستشفى استدعى نقل جزء من المرضى إلى مدينة إيسن في ألمانيا]. قال مسؤول صحي هناك، واصفاً ما جرى: كان ذلك الطقس الديني هو القنبلة النووية التي سقطت علينا. حدث آخر، حشد آخر، اختارته الغارديان ك"قنبلة بيولوجية": الماتش الذي وقع في ميلان [إقليم لومباردي] بين أتلانتا وفالنسيا في التاسع عشر من فبراير. المشجعون الذين حضروا بالآلاف كانوا هم "الحشد" الذي يتطلبه كورونا. ثم فعلت تلك القنبلة البيولوجية فعلها في الشمال الإيطالي. الصلوات الجماعية والاحتفالات، هي بوابات الموت المجاني في هذه الأيام. 7. الدراسات تتوالى، المعلومات تتكدس، الموقف تغير لصالح الحياة الجماعية المفككة بحسبانها نموذجاً مقاوما للأوبئة. استطاعت ألمانيا أن تخفّض سرعة الانتشار إلى 1:1. قارنوا بين مشهد ستراسبوغ: ممرضة تنقل الوباء إلى 250. تخيلوا لو أن الأمور مضت في باقي العالم على هذا النحو. قارنوا الحياة في بلدانكم، وتحكموا بالخطر قبل أن يتأخر الحال. سنشهد في الأسابيع القادمة محاولات فدائية من قبل بعض الدول، في المقدمة: النمسا. ستفتح النمسا أبوابها تدريجيا بدءاً من الثلاثاء القادم، وستقدم مثالاً. يردد الصينيون أن بلادهم عادت إلى الحياة ولكن أحداً لم يعد قادراً على أن يأخذ النماذج التي تقدمها الصين على محمل الجد. تقول السلطات النمساوية إنها سترفع الحواجز والموانع وتطلب من شعبها أن يعود إلى "حياة اجتماعية جديدة": بلا اتصال، ولا مجموعات. ابتكر أشهر مقدم برامج كوميدية في ألمانيا، أوليفر فيلكه، مصطلحاً لوصف الحياة الجنسية في زمن كورونا: كوروناساترا. داخل نظام كوروناساترا يتجرد الرجل والمرأة من كل شيء ثم يمارسان اتصالا جنسيا عن طريق النظر، على أن لا تقل المسافة بينهما عن متر ونصف! ستأخذ حياتنا، أو عليها أن تفعل، شكلاً جديداً. وسيستمر ذلك لزمن الطويل. فالانكشاف العلمي الذي حدث مع كورونا، بطء البيولوجيا في الاستجابة وعدم قدرة الاقتصاد على الصمود، نزع الأمن من العالم. 8. .. لا يزال الحل السحري هو "اللقاح". ولكنه بعيد جداً. امض إليه حتى ترى الجبال السبعة المخططة بالأحمر. اصعد عليها، ثم واصل المسير حتى تبلغ العيون البركانية الألف. إذا عبرتها ستدخل وادياً مظلما، وهناك ستجد مخلوقاً نصفه ديناصور ونصفه حصان. يملك ذلك المخلوق اللقاح ويعتقد أنه فحم. احتل عليه وعد بكمية لا بأس بها من فحم الديناصور. عد مسرعاً قبل أن يموت الملك. .. حتى ذلك الحين: لا بد من تفكيك حياتنا الاجتماعية كما عرفناها، والانتقال إلى شكل جديد للحياة. أن نعيش كما لو أن هذا الغازي جاء ليبقى، وأنه يتحرك في Loop وليس داخل curve. ورغم كل ذلك: أنا متفائل. على حضارتنا أن تقف مع نفسها على كل المستويات. فإن الهزيمة ستأتي من الداخل، من داخل حضارتنا، إذا ما أدى الانهيار الاقتصادي إلى انزلاقنا إلى زمن القراصنة! كما تقول الإشارات الخفية التي تأتي من فوق البحار.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص

كاريكاتير

بدون عنوان