ثورة 26 سبتمبر تواجه العواصف وتُمنى بالانتكاسات
الساعة 11:06 مساءً


لم تكن الطريق أمام الثورة مفروشةً بالورود, بل كانت مليئة بالأشواك, واصطدمت بمطبات وعوائق كثيرة, وأُحيطت بحزام من مؤامرات عديدة داخلية وخارجية حاولت أن تجهض الثورة والنظام الجمهوري منذ اليوم الأول من قيام الثورة ولا تزال تلك المحاولات قائمة حتى يومنا.
يمكن إجمال أهم التحديات التي واجهت الثورة السبتمبرية على النحو الآتي:

بقاء فلول النظام الإمامي في بعض المناطق ومحاولة العودة:

كانت الكثير من المحافظات والمناطق اليمنية في الشمال وفي الشرق وعلى وجه الخصوص: عمران وصعدة والجوف وحجة ومأرب لا تزال تحت سيطرة فلول الإماميين, إذ لم تصل إلى تلك المناطق رياح الثورة والتغيير بعد بحكم التخلف السائد في الواقع الاجتماعي اليمني حينها والموقف السلبي للعديد من مشائخ القبائل تجاه الثورة.
وقد اتخذ فلول الإماميين من بعض هذه المناطق قاعدة لهم لتجميع صفوفهم والإعداد لمهاجمة الثورة, وقد تنبه بعض قادة الثورة لخطورة هذا الأمر, مما اضطرهم الموقف لمغادرة العاصمة صنعاء والتوجه إلى جبهات القتال للدفاع عن الثورة والنظام الجمهوري, وكان على رأس هؤلاء القيادات الثورية الملازم الشهيد علي عبدالمغني و الشهيد محمد مطهر زيد وغيرهما.
وكان لهذا انعكاس سلبي على مستوى توطيد أركان الثورة والنظام الجمهوري في العاصمة صنعاء, مما ترك ثغرة تسللت منها العناصر الانتهازية التي التحقت بالثورة وشرعت في السيطرة على بعض المواقع الإدارية وممارسة ضغوط رهيبة على الرئيس السلال.

تكالب الخارج على الثورة الوليدة:

واجهت الثورة ومنذ يومها الأول موقفاً معادياً من الخارج وبالأخص من السعودية وبريطانيا وأمريكا وإيران.
قدمت هذه الدول الدعم السخي للفلول الإمامية بالأموال والأسلحة, كما دعمت أيضاً مشائخ القبائل المناهضين للثورة, بل إن القوات السعودية والطيران السعودي وقف إلى جانب الفلول الإمامية وساهم في قصف المواقع الجمهورية.
لقد كان لهذا الدعم المتواصل أثره في تخلخل صفوف الجمهوريين, وترتبت عليه نتائج خطيرة على مسار الثورة أبرزها: انقلاب 5 نوفمبر 1967م وحصار السبعين يوماً.
على حين حظيت الثورة بدعم قومي من مصر إبان عهد الزعيم القومي الخالد جمال عبدالناصر, فقد ساند عبدالناصر الثورة وبقوة في مختلف المجالات : العسكرية والسياسية والاقتصادية والتعليمية والخدمية…إلخ.
ولا يزال الشعب اليمني يكنّ العرفان والجميل لمصر عبدالناصر على هذا الصنيع الأخوي والقومي والإنساني.. ورغم جسامة ونبالة هذا الدور المصري إلا أنه لم يخلو من اختلالات وأخطاء, فقد مارست قيادات مصرية عسكرية وإدارية, أبرزها: عبدالحكيم عامر وأنور السادات والسفير أحمد شكري ولاحقاً صلاح نصر أدوار سلبية من ناحية تقديم دعم لبعض الرموز والقوى التقليدية وبعض العناصر الكمبرادورية, ومحاصرة القوى والعناصر التقدمية في الصف الجمهوري وصولاً إلى ارتكاب جرائم اغتيالات واعتقالات …إلخ.

انقسام في صفوف الثورة بين يسار جمهوري ويمين جمهوري:

إن المتتبع لأحداث ووقائع الثورة السبتمبرية والقوى التي اشتركت فيها وتلك القوى التي التحقت بها في ربع الساعة الأخيرة, سيصل إلى استخلاص مفاده: أن الانقسام الذي حصل في صفوف الثورة كان أمراً منطقياً, فتنوع وتعدد القوى التي اشتركت في الثورة وتباين مصالحها قد عكس نفسه على واقع ما بعد الثورة. فأصبحت الجمهورية الوليدة ــ وفقاً للشاعر عبدالله البردوني ــ تعاني عسر التوازن بين المثقفين والسياسيين الثوريين كقوة تغييرية وبين العشائريين كقوة حربية تجابه شبيهها.
وقد انقسمت قوى الثورة إلى تيارين:

التيار الأول: اليسار الجمهوري:
ضم قيادات سياسية وعسكرية ورموز ثقافية أيدت واصطفت مع الرئيس السلال في صراعه ضد القوى التقليدية.
وعلى وجه التحديد تمثل هذا التيار في: بعض عناصر من الضباط الأحرار, وصغار الضباط في الجيش الجمهوري, وحركة القوميين العرب, واتحاد الشعب الديمقراطي (الماركسيون), والجبهة القومية في الجنوب التي وقفت إلى جانب هذا التيار.

التيار الثاني: اليمين الجمهوري:
تمثل هذا التيار بالآتي:
رموز مشيخية وقبلية, وقد استند هؤلاء على قوة القبائل والدعم المقدم من أطراف خارجية: السعودية بدرجة أساسية.
قيادات عسكرية بعثية, من بينهم: حسن العمري وحمود الجائفي.
بعض رموز وقيادات الأحرار اليمنيين وأبرزهم: الزبيري والنعمان والإرياني.
رموز دينية على رأسهم: عبدالملك الطيب وعبدالمجيد الزنداني, وقد مثلوا الذارع الأيديولوجي لليمين الجمهوري.
الكتلة الثالثة بقيادة إبراهيم الوزير.

المؤتمرات السياسية المعارضة خلال الفترة (1963 – 1967م):

مارست قوى اليمين الجمهوري ضغوطات على الرئيس السلال لتمكين الرموز التقليدية من مقاليد الأمور وفك الارتباط بمصر عبدالناصر وصولاً إلى مطالبته بمغادرة السلطة.
وفي مجرى هذه المساعي انعقدت عدة مؤتمرات يمكن إجمالها بإيجاز على النحو الآتي:
مؤتمر عمران, وهو أول المؤتمرات السياسية بعد الثورة, انعقد خلال الفترة (1-9 سبتمبر 1963م), وقد ارتبط هذا المؤتمر باسم الشهيد محمد محمود الزبيري, حيث شكّل الزبيري بمكانته السياسية والثقافية ودوره السياسي نقطة تلاقي قوى وتيارات مختلفة بل ومتناقضة. وقد شكّلت القوى السياسية الاجتماعية التقليدية والمحافظة قاعدة المؤتمر. وقد خرج المؤتمر بقرار تشكيل جيش شعبي قبلي قوامه 28 ألف مقاتل ومقره في عمران, أي أنه قاد عملياً إلى تشكيل جيش موازي للجيش الوطني الرسمي.
مؤتمر خَمِر, وفيه رُفعت شعارات دينية, حيث كانت شعارات ولافتات المؤتمر تحمل اسم “حزب الله”, الحزب الذي كان الزبيري قد دعا إلى تأسيسه, وقد ضم المؤتمر قيادات قبلية: عبدالله بن حسين الأحمر وصالح بن ناجي الرويشان ونعمان قائد بن راجح ورموز دينية وسياسية: عبدالملك الطيب ومحمد الفسيل وعبدالمجيد الزنداني وعبدالرحمن الإرياني, وغيرهم.
مؤتمر الطائف الذي بدأ في 31 يوليو 1965م وانتهى في 10 أغسطس 1965م, الذي مثل أكبر اختراق سياسي للصف الجمهوري, وتمثّل في ذهاب البعض إلى موقع الطرف النقيض, وهو المؤتمر الوحيد الذي عُقد خارج البلاد يتناول فيه أوضاع وقضايا داخلية.
وقد رفع المؤتمر شعار الدولة الاسلامية كبديل عن النظام الجمهوري, ما كشف وبوضوح المواقف الفعلية للقوى التقليدية وداعميها من النظام الجمهوري ومضامين الثورة.
مؤتمر سبأ, الذي عقد في 3 مارس 1967م ووقف وراء انعقاده الشيخ سنان أبو لحوم, وقد كان الغرض من المؤتمر ممارسة ضغط لإعطاء قبيلة بكيل دور سياسي.

انقلاب 5 نوفمبر 1967م وأحداث أغسطس 1968م, وصولاً إلى اتفاقية جدة وصفقة المصالحة مع الملكيين عام 1970م:
جاء انقلاب 5 نوفمبر 1967م تتويجاً للمساعي التي قامت بها القوى التقليدية ممثلة بترويكا: القيادات العشائرية والرموز الدينية والقيادات العسكرية بعيد قيام الثورة, فقد شرعت في ممارسة الضغوط على الرئيس السلال وتحجيمه وتعزيز هيمنتها في إطار السلطة من خلال استصدار قرارات كان من أبرزها إصدار قرار بتشكيل مصلحة شؤون القبائل في يناير 1963م.
قاد هذا الانقلاب شيوخ قبائل وقيادات عسكرية وسياسية أبرزهم: عبدالله بن حسين الأحمر زعيم قبيلة حاشد وسنان أبو لحوم ومجاهد أبو شوارب زعيمي قبيلة بكيل وحسن العمري القائد العام للقوات المسلحة ومحسن العيني القيادي البعثي الذي تولى رئاسة حكومة الانقلاب وعبدالملك الطيب أحد رموز الإخوان المسلمين.

وقد كان من نتائج هذا الانقلاب إفراغ الثورة السبتمبرية والنظام الجمهوري من مضامينهما, ومثل المقدمة لتصفية عناصر اليسار الجمهوري في أغسطس 1968م وتمهيد الطريق أمام إتمام صفقة مع القوى الملكية برعاية المملكة العربية السعودية عام 1970م.
وقد جرى هذا الانقلاب بدعم سعودي سخي تخطيطاً وتنفيذاً. وقد خلق الانقلاب واقع جديد في اليمن حيث تعزز نفوذ النظام السعودي في اليمن بشكل غير مسبوق من خلال خلق أذرعة ثلاثة وهي:

الأول: التيار القبلي بزعامة عبدالله بن حسين الأحمر الذي ظلّ يمثل الذراع الطولى للنفوذ السعودي في اليمن طوال أربعة عقود ونيّف من الزمان.

الثاني: التيار العسكري بقيادة كبار الضباط في الجيش من بينهم: العمري ثم في فترة لاحقة ورث هذا الدور علي عبدالله صالح وعلي محسن الأحمر.

الثالث: التيار الديني بزعامة عبدالمجيد الزنداني رجل الدين المتشدد وذو التأثير الواسع, وجمعت هذا التيار بالنظام السعودي أهداف مشتركة تمثلت بما يسمى “محاربة الشيوعية” والنظام التقدمي في الجنوب ونشر الفكر الوهابي في اليمن الشمالي.

جندت السعودية الثلاث التيارات السالفة الذكر في تصفية القوى التقدمية وسحق أي محاولة تهدف لإخراج اليمن من عباءة النفوذ السعودي, مثل المحاولة الوحيدة واليتيمة التي قادها الرئيس المغدور به الشهيد إبراهيم محمد الحمدي.
لقد مثل انقلاب 5 نوفمبر طعنة نجلاء في جسد الثورة السبتمبرية والنظام الجمهوري, فقد بدأ مسار ابتلاع القبيلة برموزها المشائخية للدولة, وتجريم الحزبية وحظر العمل النقابي, وإقصاء وتصفية العناصر الوطنية والتقدمية في الصف الجمهوري الذين قاموا بالدفاع عن العاصمة صنعاء إبان حصار السبعين يوماً (ديسمبر 1967- فبراير 1968م) في مارس وأغسطس 1968م, والتي تم فيها تصفية العديد من الضباط الوطنين على رأسهم: عبدالرقيب عبدالوهاب, ومحمد مهيوب الوحش وغيرهما.
تُوج هذا المسار الانقلابي الكارثي بعقد صفقة مصالحة مع الملكيين برعاية السعودية في مارس 1970م.

يتبع…

(*) جزء من مادة مطولة بعنوان: أيلول الخالد.. محطات على الطريق

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص

كاريكاتير

بدون عنوان