هل غيرت إيران موقفها في الصراع بين أذربيجان وأرمينيا ؟ وما أسباب هذا التغيير ؟
الساعة 11:46 مساءً


 في النزاع بين أذربيجان وأرمينيا حول إقليم ناغورني قرباغ تم خلال الفترة الماضية تصنيف الموقف الإيراني الرسمي بأنه داعم لأرمينيا المسيحية ضد أذربيجان الشيعية لاعتبارات وأسباب كثيرة أبرزها مصالح إيران المشتركة مع أرمينيا وعلاقاتها القوية بها وارتباطها بالموقف الروسي الداعم لأرمينيا والخلافات بين إيران وتركيا في بعض ملفات المنطقة ورغبتها بتقليص الدور التركي في المنطقة إضافة إلى فتور العلاقات بين إيران أذربيجان التي فضلت التوجه نحو الغرب والحفاظ على النظام العلماني وإقامة علاقات مع إسرائيل ولكن مع اندلاع الحرب مؤخرا بين أذربيجان وأرمينيا حول إقليم قرباغ والمناطق الأذربيجانية التي سيطرت عليها أرمينيا وحلفائها عام 1992م تطور الموقف الإيراني وتغير كثيرا وأصبح تصنيف إيران بأنها " داعمة  لأرمينيا المسيحية ضد أذربيجان الشيعية " غير دقيق ونوعا من التجاهل للحقائق وعدم إدراك لمستجدات الموقف الإيراني الرسمي تجاه الحرب الأذرية الارمينية فكيف تغير الموقف الايراني تجاه هذه القضية وما هي أسباب هذا التغيير ؟ 

1 - الرغبة الإيرانية بالقيام بدور الوساطة وايقاف الحرب

تسعى إيران للإبقاء على علاقاتها المتميزة مع أرمينيا كدولة جارة تربطها بها مصالح مشتركة في العديد من المجالات ولكنها في الوقت نفسه أرسلت مؤخرا رسائل ايجابية  لأذربيجان منها التأكيد على أن أراضي  إقليم " قره باغ " هي أراضي اذربيجانية ويجب على أرمينيا أن تنسحب منها حيث أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده في بيان ألقاه يوم 5 تشرين أول أكتوبر الجاري " على انه يجب احترام وحدة أراضي أذربيجان، ودعا إلى إنهاء أرمينيا احتلال إقليم قره باغ، مشيرا إلى أن إيران لديها خطة مفصلة لحل النزاع بين أرمينيا وأذربيجان وهي مستعدة لمناقشتها مع طرفي النزاع".
وفي اليوم التالي ذهب الدكتور علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الإيراني الأعلى للشؤون الخارجية إلى أبعد مما قاله بيان الخارجية الإيرانية حيث دعا أرمينيا للعودة إلى الحدود المعترف بها دوليا، مؤكدا أن بلاده تقف ضد احتلال الأراضي الأذرية بنفس القدر الذي ترفض فيه الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.
وقد أرادت إيران من هذه التصريحات تصفية الأجواء مع أذربيجان والتأكيد على وقوفها معها وسعيها للقيام بدور الوساطة لإيقاف الحرب وإعادة والأراضي الأذربيجانية من خلال الحوار والمفاوضات .
 إذ تدرك إيران ان استمرار الحرب وتوسع رقعتها ودخول دول وقوى اقليمية فيها قد يجرها إلى التدخل عسكريا في صراع معقد وحساس إضافة إلى تعرض مناطق حدودية ايرانية للقصف من الجانبين وهو ما ضاعف من قلقها وسعيها لإيقاف الحرب ، كما أن الوساطة الإيرانية في حال نجاحها في إيقاف هذا الصراع المزمن ستعزز من فاعلية الدور الإيراني وحضوره في منطقة القوقاز ما يعني تعزيز إيران  لمكانتها الإقليمية والدولية ولكي تنجح إيران بالقيام بدور الوساطة المنشودة كان لابد لها من إتخاذ مواقف مطمئنة لأذربيجان ومحاولة الوقوف من الجميع على مسافة واحدة .

2- الرغبة في الحد من النفوذ التركي في القوقاز

تطور الموقف الإيراني من الصراع في القوقاز ومحاولة إيران الدخول بقوة على خط الأحداث من أبرز أسبابه  القلق الإيراني من تعاظم الدور التركي في أذربيجان ومنطقة القوقاز إذ أن نجاح أذربيجان في إستعادة أراضي قره باغ وغيرها من سيطرة أرمينيا وحلفائها وبدعم تركي عسكري سياسي سيعمق من العلاقات التركية الأذرية وسيعزز من مكانة تركيا في المنطقة ويقوي نفوذها في القوقاز على حساب الدور الإيراني والروسي أيضا وهو ما لا تريد إيران حدوثه ولذا دعت إيران تركيا على لسان علي ولايتي مستشار المرشد للشؤون الخارجية في 6 تشرين اول أكتوبر الجاري إلى عدم صبّ الزيت على النار ، والمساعدة على إعادة الأراضي الأذرية المحتلة دون إراقةٍ للدماء ، وقال إنه في حال كان خبر جلب مجموعات مسلحة للحرب في قره باغ صحيحا، فسيتحمل من قام بذلك كافة التداعيات.
لقد رأت إيران أنه ليس من مصلحتها إخلاء هذه الساحة لتركيا لتعمل على تغيير موازين القوى في منطقة القوقاز وتحصل على موطئ قدم على الحدود الروسية وتمتلك ورقة ضغط قوية في مفاوضاتها مع روسيا وتحصل على تنازلات من موسكو في الملف السوري والليبي.
كل هذه الأسباب وغيرها دفعت إيران للدخول بدور الوساطة وانتهاج سياسة الحياد الإيجابي واظهارها كدولة اقليمية تسعى لإيقاف حروب المنطقة واطفاء النيران التي تشعلها تركيا فيها .
رغم أن دعوة ولايتي لتركيا بمساعدة أذربيجان على إعادة الأراضي الأذرية المحتلة دون إراقةٍ للدماء دعوة غير واقعية من وجهة نظر أذربيجان التي تفاوض منذ 27 عاما لاستعادة أراضيها المحتلة ولم تحقق اي انجاز يذكر ولم تستطع دول " مجموعة مينسك " الضغط على أرمينيا وحلفائها للانسحاب من أراضي أذربيجان وتطبيق القرارات الدولية العديدة التي أكدت على أن قره باغ ومناطق اغدام وفضولي التي احتلتها أرمينيا عام 1993م هي أراضي أذرية محتلة . 

3- الاستجابة لمطالب الإيرانيين من أصول  أذرية 

تدرك طهران ان 20 مليون إيراني من أصول أذرية يتركزون في شمال إيران خاصة يتعاطفون بقوة مع إخوانهم في اذربيجان وغير راضون عن الموقف الإيراني الرسمي خصوصا  الذي يظهر الحياد مع الدولتين الجارتين إذ يرون أن على إيران الوقوف مع أذربيجان ضد أرمينيا و أن اي دعم  لأرمينيا قد يؤجج المشاعر القومية للأذريين في إيران ، وخصوصا بعد مطالبة ممثلو المرشد الأعلى في المقاطعات الإيرانية الناطقة باللغة الأذرية في شمال غرب البلاد - في بيان مشترك يوم الأربعاء 30 أيلول سبتمبر الماضي - بلادهم بـ"الاعتراف بحق أذربيجان في استعادة منطقة قره باغ بناء على قرار مجلس الأمن الدولي، ووقف الاشتباكات، ووجوب إعادة قره باغ إلى موطنها الأصلي أذربيجان".
كما أعرب 42 نائبا (من أصل 290) بالبرلمان الإيراني في المقاطعات الشمالية الغربية، عن دعمهم للأذريين ، واصدروا مؤخرا بيانا عنهم أكدوا فيه أنه "وفقا للوثائق التاريخية، فإن منطقة قره باغ جزء من العالم الإسلامي، وباعتراف من مجلس الأمن الدولي بسيادة جمهورية أذربيجان عليها"وطالبوا الحكومة الإيرانية وخاصة وزارة الخارجية بالعمل على تحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة.
ولذا فإن إيران تسعى من خلال التوازن في موقفها حول الصراع بين أذربيجان وأرمينيا إلى تهدئة مشاعر مواطنيها من أصول أذرية والاستجابة لمطالبهم التي دعتها للعمل على تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة. 
  
4- موقف لافت للمرشد خامنئي حول قره باغ 

من المعروف بأن المرشد الإيراني الأعلى السيد علي خامنئي يمثل رأس النظام الإيراني وهو الموجه الأعلى للسياسات الرسمية لإيران في قضايا الداخل والخارج ، المرشد الذي يعود لأصول أذرية كان له موقف سابق من قضية إقليم قره باغ التي وصفها بأنها أرض المسلمين وهو ما دفع ناشطون ايرانيون لتذكير الحكومة بموقف المرشد قبل عقدين ودفع شخصيات وجهات إيرانية عديدة لتأييد أذربيجان بعد أن أعلن المرشد علي خامنئي أن "الحكومة الأرمنية تقمع المسلمين في منطقة قره باغ، ونحن ندين هذه الأعمال، وقره باغ هي أرض للإسلام".

وحتى لا يظهر القادة الإيرانية تناقضا مع موقف المرشد فقد أكد العديد من المسؤولين والقيادات في طهران أن إقليم قره باغ هو أرض تابعة أذربيجان.

5 - إنهاء الصراع في القوقاز مصلحة لإيران 

تسعى إيران الآن بكل السبل والوسائل لإيقاف الحرب في منطقة القوقاز ليس لأن هذه الحرب تمس مناطقها الحدودية وتهدد مصالحها فحسب ولكن لأن إطالة أمد هذه الحرب ستدفع قوى أخرى ودولا عديدة للتدخل فيها بشكل أو بآخر وهو ما يعني تحول المنطقة إلى ساحة صراع دولية وهذا ليس في مصلحة إيران ولذا عارضت إيران التدخل الفرنسي بشدة ووصف مستشار المرشد الإيراني للشؤون الخارجية علي ولايتي الطريقة التي تتدخل بها فرنسا في قضية قره باغ بالمدانة وغير المقبولة، وقال إن أرمينيا دولة جارة لإيران ولها معها تاريخ طويل من العلاقات، ولا تريد لها أن تتعرض لخسائر غير ضرورية.
كما تخشى إيران من أن يؤدي استمرار الحرب بين أذربيجان وارمينيا إلى استغلال خصوم إيران للحرب وتداعياتها للوصول إلى حدودها الشمالية مما يشكل عامل تهديد جديد لها وفتح جبهة جديدة من المشاكل لإيران ولذا تريد إيقاف هذه الحرب واغلاق هذه الجبهة التي قد تفتح ضدها والخروج من هذه الحرب بأقل الخسائر لها ولأرمينيا رغم أن أذربيجان ترى أن إيقاف الحرب الآن يعني بقاء الوضع على ما هو عليه في ظل إصرار أرمينيا وحلفائها على عدم  الانسحاب من هذه المناطق والتأكيد على أنها  أرضهم وقناعتها أنهم لن ينسحبوا منها إلا بالقوة فقط .  

6 - وقوف إيران مع أرمينيا المسيحية ضد أذربيجان أضر بصورتها 

تدرك إيران أن وقوفها وبشكل واضح مع أرمينيا المسيحية ضد أذربيجان المسلمة الشيعية سيضر بصورتها ليس لدى الشيعة في العالم الاسلامي فحسب وإنما لدى سائر المسلمين وسيظهرها على أنها دولة تنتهج سياسة برجماتية ولا يهمها سوى تحقيق مصالحها ولو بالوقوف مع دولة غير مسلمة ضد دولة مسلمة على عكس الموقف التركي الذي يبدو منسجما مع مشاعر وعواطف المسلمين في العالم الذين يرون أن تركيا تقف وتدعم دولة مسلمة لاستعادة أراضيها المحتلة من غير المسلمين ولذا طورت إيران من موقفها وانتهجت سياسة جديدة تسعى للوساطة وإيقاف الحرب واحلال السلام وأكدت أنها تقف على الحياد وعلى مسافة واحدة من كل الاطراف وتدعو للسلم والأمن والاستقرار كنهج ثابت في السياسة الخارجية الإيرانية ، اذ تدرك إيران أنها يجب أن تلعب دورها المفترض كزعيمة للعالم الإسلامي عموما والشيعي على وجه الخصوص وأن تظل على مواقفها الثابتة في مناصرة القضايا الإسلامية في المنطقة وأن يكون لها حضور مؤثر في نزاعات وملفات المنطقة كما فعلت سابقا في سوريا وأن وقوفها مع أرمينيا يضر بهذا الدور الذي تقوم به ويضر بصورتها في العالم الإسلامي ولذا طورت موقفها ليبدو بشكل متوازن ينسجم مع شعاراتها وسياساتها ويحقق مصالحها ولكن هل تنجح في مساعيها في إيقاف الحرب بين أذربيجان وأرمينيا ؟
وإرضاء كافة الأطراف ؟
وإلى اي مدى سوف تستجيب كافة الأطراف لهذه المساعي ؟
انها مهمة صعبة لإيران في ظل إصرار أذربيجان على استعادة أراضيها بالقوة وتمسك أرمينيا بتلك الأراضي واتخاذها من الحوار والمفاوضات وسيلة لكسب الوقت والمراوغة وتثبيت وجودها كما فعلت طيلة 27 عاما الماضية ولكن إيران في كل الظروف والأحوال تبذل جهودها بما يحقق أهدافها ومصالحها ويثبت وجودها في القوقاز أما إلى أين يمضي مسار الأحداث في تلك المنطقة فهذا ما ستجيب عنه الأيام والاسابيع القادمة وحينها لكل حادث حديث. 

* باحث في الشأن الإيراني

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص

كاريكاتير

بدون عنوان