لصوص لكن مبدعون !!
الساعة 01:09 مساءً


يبدو أني أول شخص في العالم يتعرض للسرقة ولا يصاب بالحزن ولا حتى يتمنى معاقبة الجناة بل ويتمنى أن يلقاهم ، القصة غريبة فعلا وما سبق مبتدأ وإليكم الخبر .

قبل أكثر من 20 عاما كنت عائدا من صنعاء إلى قريتي في إب وفور نزولي من السيارة البيجوت في مدينة إب تعرضت لأغرب سرقة في حياتي ، في البداية وجدت طفلا صغيرا تبدو عليه مظاهر الثراء والرفاهية يلبس بذلة فاخرة ويبكي وفي يده ورقة فيها رقم هاتف في أمريكا أخبرني أنه أمه في المستشفى في الة ولادة وأنه يريد الاتصال بوالده في أمريكا ويبحث عن هاتف جوال برصيد دولي ولم تكن الهواتف المحمولة يومها قد انتشرت مثل الآن نصحته أن يذهب لأقرب اتصالات ويجري اتصالا من هناك ولكنه أخبرني أنه لا يملك نقودا وانما يملك ساعة والده المغترب وهي غالية الثمن ويريد رهنها اعتذرت له ومضيت وحينها تحلق حوله مجموعة من الناس يريدون شراء الساعة ويدفعون له مبالغ كبيرة والولد يرفض ، مضيت ومضى الولد في الشارع المقابل ودفعني الفضول لمراقبة ما سيحدث له ، في البداية توقفت سيارة فاخرة ونزل منها شاب تحدث معه قليلا ثم عاين الساعة وأخرج من جيبه رزمة النقود ودفعها له والولد يرفض ويمضي في طريقه ، حاول الشاب اقناعه ببيع الساعة ولكنه رفض فتركه وانصرف ، ثلاثة من الأشخاص يحملون كتبا وحقائب مدرسية ويبدو من هيئتهم أنهم من المدرسين خرجوا من مدرسة مجاورة توقف الطفل وحدثتهم فأشاروا إلى مركز الاتصالات وحدثهم الطفل ثم أخرج الساعة فقاموا بفحصها بشكل سريع وجمعوا من جيوبهم مبلغا من المال وسلموه للطفل ولكنه رفض بيع الساعة وواصل المضي وواصلت بدوري المسير لأرى ما سيحدث للولد ، قابلته فتاة فتحدث معه وناولها الورقة فتأملتها وأشارت إلى مركز الاتصالات فتحدث معها وأخرج لها الساعة فقلبتها في يدها ثم أخرج له رزمة كبيرة من النقود ولكنه رفض وواصل المسير .
بدأت أقتنع أن الساعة ثمينة فعلا وأنني لو كان معي نقود لاشتريتها من الطفل ولكني لا املك النقود وكل ما أملكه بالكاد يوصلني إلى القرية ولكن معي مبلغ عشرة ألف ريال أرسلها أحد أبناء قريتي في صنعاء مصاريف لأسرته ولذا لن أتصرف فيها مهما حدث .
قطعت الشارع وذهبت للولد فتعلق بي وطلب مني أن اتصل بوالده في أمريكا على الرقم وأكد لي أنه فور تحويل والده بالمبلغ سيدفع لي تكاليف الاتصال التي سأدفعها لصاحب المحل فاعتذرت له بأني لا أملك النقود ولكنه يمكنه رهن الساعة لصاحب محل الاتصالات فوافق الولد ومضينا إلى مركز الاتصالات وطرحت على صاحبها الأمر فرفض وأخبرنه أنه مجرد عامل ولكننا يمكننا أن ننتظر صاحب المحل الذي سيأتي بعد الظهر وهنا انهار الولد باكيا :
ــ أمي الآن قد ماتت في باب المستشفى وهو يريدني أن أنتظر لصاحب المحل إلى بعد ظهر !!
كان منظره يستدر الرثاء ويستثير الإشفاق وتخيلت أمه تتألم وتصرخ بباب المستشفى وصاحب المستشفى الجشع يرفض دخولها فأخرجت المظروف من جيبي وقلت له :
ــ خلاص سأشتري منك الساعة بعشرة ألف ريال 
وكانت المفاجأة أنه رفض وأخبرني أن الساعة ثمينة جدا وقد أشتراها والده المغترب بألفين دولار وحينها تركته ومضيت ، لقد شعرت أنني بذلت كل ما في وسعي معه ومرت دقيقة وإذا بالولد يتبعني ويطرح علي فكرة أن يرهن عندي الساعة بعشرة ألف بشرط أن أكتب له ورقة رهن وبحضور شهود وأوقع عليها فوافقت وضحيت بالأمانة التي بحوزتي لأجل انقاذ أم الولد التي تتألم وكتبت له ورقة رهن ووقعت عليها وأخذ العشرة ألف ومضى .
لبست الساعة ومضيت بها إلى معرض لبيع الساعات والملابس وسألت صاحبه عن سعر الساعة ففحصها جيدا ثم أخبرني أن سعرها بـ 1200 ريال صدمني حديثه فطلبت منه أن يتأكد فأخبرني أنه متأكد وأنها تقليد للرولكس وأخرج لي عدة ساعات شبيهة لها وحينها أحسست بمشاعر متناقضة وبدأت أتساءل : معقول عملوا كل هذه التمثيلية لكي ينصبون علي ويبيعون لي ساعة مزيفة ؟!
 لم أعد إلى قريتي ولكني ذهبت إلى قرية مجاورة واقترضت من صديق لي 10 ألف ريال وعدت إلى قريتي وسلمت الأمانة ومضت الأيام وكلما تذكرت تلك القصة كلما تمنيت من أعماقي أن ألقى تلك العصابة مرة أخرى ليس ليسرقوني بل لأقنعهم بتأسيس فرقة مسرحية والعمل في التمثيل ، انهم مبدعون للغاية وسيقنعون الجمهور بأدوارهم وأدائهم وقد سامحتهم على ما فعلوه بي لأنهم تعبوا كثيرا في تلك المسرحية التي ظننت أنني قد قمت فيها بدور البطل الذي يضحي لإنقاذ الآخرين ولكنني كنت المغفل الوحيد الذي ضحكوا عليه .!

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص

كاريكاتير

بدون عنوان