ماذا حققت تركيا من مكاسب بدعمها القوي لأذربيجان في معارك قره باغ ؟
الساعة 10:27 مساءً


في التاسع من يوليو 20 تموز 2018، أدى الرئيس التركي أردوغان اليمين الدستورية رئيساً لتركيا لولاية ثانية، بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية التركية، وفي اليوم التالي غادر أنقرة إلى العاصمة الأذرية "باكو"، في أول زيارة خارجية له، ليفي بوعده الذي قطعه لرئيس أذربيجان إلهام علييف، الذي بدوره كان قد زار أنقرة في 25 نيسان أبريل 2018م في أول زيارة خارجية له، ليفي بوعده لأردوغان بأن تكون تركيا أول دولة يزورها بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية.
لقد كانت تركيا الدولة الأولى في العالم التي اعترفت باستقلال أذربيجان عن الاتحاد السوفيتي، في نوفمبر تشرين الثاني عام 1991م، ومن حينها تعززت مجالات التعاون والشراكة وتوطّدت الروابط الأخوية بين البلدين اللّذَيْن ينتميان للعرق التركي، وتجمعهم روابط: الثقافة، واللغة، والدين، والكثير من الأواصر الأخوية والمصالح المشتركة.
ما سبق مجرد لمحة تعبّر عن دفء وقوة العلاقات بين تركيا وأذربيجان، والتي وصلت الآن إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، حيث مثّل وقوف تركيا القوي مع أذربيجان في حربها لاستعادة إقليم "قرة باغ" وبقية أراضيها المحتلة من قبل أرمينيا أحد أبرز مظاهر هذه الشراكة الاستراتيجية والعلاقة الأخوية الراسخة بين البلدين ..
وقد حقق هذا الموقف التركي مكاسب كبيرة لتركيا على الصعيد الإقليمي والدولي، وحافظ على مصالحها وأظهر قدراتها العسكرية الكبيرة، وفي هذا التحليل سنرصد أبرز مكاسب تركيا في الحرب بين أذربيجان وأرمينيا:

- قوة اقليمية تدعم حلفاءها

تركيا بموقفها القوي الداعم لأذربيجان ظهرت كحليف قوي وصادق يقف مع حلفائه بكل ثقله وبكل قوة وهو ما عبر عنه الرئيس التركي أردوغان، الذي قال ـ بحسب وكالة الأناضول ــ في الثاني من تشرين الأول أكتوبر الجاري: "أذربيجان الشقيقة بدأت عملية عسكرية كبيرة من أجل الدفاع عن ترابها وتحرير "قره باغ "، والجيش الأذربيجاني الذي يتقدّم بنجاح على الجبهة نجح في تحرير العديد من المناطق، ونحن نقف وسنواصل الوقوف بكافة إمكاناتنا وقدراتنا إلى جانب أذربيجان الشقيقة والصديقة.
وإن شاء الله، النضال سيستمر حتى تحرير قره باغ".
وبهذا الموقف القوي والواضح تؤكد تركيا على نهجها بالوقوف مع حلفائها في معاركهم العادلة، حيث وقفت مع حليفتها في ليبيا (حكومة الوفاق الوطنية)، ودعمتها عسكريا وسياسيا، وأوقفت هجوم حفتر على العاصمة طرابلس، وعملت على تغيير الواقع الميداني لصالح حلفائها، وفرضتهم شركاء في مفاوضات السلام كتيار وطني أصيل، يصعب تهميشهم وتجاوزهم، وهذا بعكس موقف التحالف السعودي- الإماراتي في اليمن، والذي تدخّل عسكرياً في اليمن قبل خمس سنوات، تحت لافتة "دعم الشرعية"، ثم قام بعد ذلك بتقويض الشرعية لصالح المليشيا شمالاً وجنوباً، وبما يحقق أجندته، ومصالحه على حساب مصالح ومستقبل أبناء الشعب اليمني.
وهذا الموقف التركي القوي والواضح في الوقوف مع أذربيجان بكل السّبل والوسائل يعزز مصداقية قيادة تركيا ويقوّي مكانتها ويظهرها كقوة إقليمية أخلاقية تقف إلى جوار حلفائها، وتعاملهم كشركاء وليس كأدوات، هو ما سيدفع ـ مستقبلاًـ الكثير من الدول إلى التحالف مع تركيا لضمان أمنها وحماية مصالحها، باعتبارها حليفاً استراتيجيً وشريكاً صادقاً يحقق مصالح حليفه قبل مصالحه، وهذا ما يميّز تركيا عن غيرها من القوى الإقليمية والدولية التي تتعامل مع الأوضاع ببرجماتية وتحوّل حلفائها إلى أدوات يتبعونها، ويعملون لتحقيق مصالحها، ولو قارنا الموقف الروسي مع أرمينيا لوجدنا أن روسيا قد خذلت حليفتها أرمينيا، وهناك وسائل إعلام تؤكد أن الرئيس الروسي بوتين أغلق السماعة في وجه رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، الذي اتصل به طالباً مساعدته، وإن كانت روسيا قد قدمت لأرمينيا بعض شحنات الأسلحة فهذا الدعم الضئيل لم يصنع شئياً في الواقع الميداني، ولا يمكن مقارنته بالدعم التركي لأذربيجان.

- تعزيز النفوذ التركي في "القوقاز"

من المؤكد أن تركيا بدعمها العسكري والسياسي الكبير لأذربيجان الواضح والقوي، من أول يوم، قد صارت لاعباً أساسياً في منطقة القوقاز، وذلك ضمن استراتيجية تركية مدرُوسة للتعامل مع الملف الأرميني - الأذري، بما يخدم المصالح المشتركة لها ولحلفائها، وبما يعزز من نفوذها الإقليمي والدولي وانتشاره -خاصة مع تحقيق جيش أذربيجان انتصارات كبيرة وتقدما نوعيا، واستعادته المزيد من القرى والمناطق الأذرية المحتلة، بما يؤكد أن الدعم التركي الكبير لأذربيجان قد غير موازين القوى على الأرض لصالحها. وظهرت تركيا وقائدها الرئيس أردوغان كقوة إقليمية عظمى عصيّة على الاستنزاف والحصار، الذي تحاول بعض القوى الإقليمية فرضه عليها في مناطق الأزمات الممتدة من سوريا إلى المتوسط والقوقاز. كما ظهرت تركيا بصفتها الأخ الأكبر لجميع الشعوب التركية في القوقاز وآسيا، وهو ما سيعمّق روابط الشعوب التركية بالدولة الأم تركيا، ويزيد من مكانة تركيا وأردوغان لدى الشعوب التركية، بل والشعوب المسلمة عموماً، حيث ظهرت تركيا بصفتها الداعم الأول للقضايا الإسلامية العادلة، والمدافع الأكبر عنها، وهي خطوات كبيرة تخطوها تركيا في طريق تحقيق المكانة الدولية والإقليمية التي تستحقها.
وإذا قارنا الموقف التركي مع الموقف الإيراني من الحرب في "قره باغ"، فإن الأوضاع تسير لصالح تركيا، فايران الدولة المسلمة الجارة لأذربيجان قد وقفت مع أرمينيا المسيحية ضد أذربيجان المسلمة، وظهرت بوجهها البرجماتي المتقلّب، وإن كانت مؤخراً قد مالت بمواقفها باتجاه أذربيحان لتحقيق بعض المصالح، كما سنوضّح لاحقاً.

- تقليص نفوذ روسيا وإيران في "القوقاز"

الموقف التركي الواضح والقوي الداعم لأذربيجان في حربها لاستعادة أراضيها المحتلة أدى إلى تقليص النفوذ الروسي والإيراني في منطقة القوقاز، لصالح النفوذ التركي المتزايد في المنطقة، حيث فقدت هذه الدول دورها وتأثيرها في الأحداث الأخيرة. فإيران قدّمت وساطة لم يلتفت إليها أي طرف، وصار كل همها هو إيقاف الحرب للحد من النفوذ التركي المتعاظم في القوقاز، وعدم تحول الحرب في منطقة القوقاز إلى صراع دولي، يضيف إليها إشكالية جديدة في حدودها الشمالية، وكذلك تهدئة خواطر الإيرانيين من أصول أذرية الذين انتفضوا ضد الموقف الرسمي لبلادهم، والذي يقف مع أرمينيا ضد إخوانهم في أذربيجان، الذين يسعون إلى استعادة أراضيهم المحتلة. كما تبذل إيران جهوداً كبيرة لحماية مصالحها مع روسيا وأرمينا، وصارت تشعر بقلق بالغ بعد سقوط عشرات القذائف على مناطقها الحدودية.
ومثلما تقلص النفوذ الإيراني في القوقاز لصالح تركيا، كذلك النفوذ الروسي قد تآكل كثيراً، ولم يبقّ منه سوى قاعدة عسكرية روسية في أرمينيا، من المؤكّد أن أرمينيا ستعيد النظر فيها بعد أن خذلتها روسيا بقوة،وتخلت عنها، حفاظا على مصالحها مع أذربيجان، وعدم الرغبة في الدخول في مواجهة مباشرة مع تركيا، ولتأديب أرمينيا التي اتجهت بوصلتها مع قدوم باشينيان لرئاسة الوزراء نحو الغرب على حساب روسيا، التي تعيد الآن حساباتها وتريد الحفاظ على ما بقي لها من نفوذ رمزي في هذه المنطقة الحيوية.

- الحفاظ على خطوط إمدادات الطاقة

من الأهداف التي تسعى تركيا إلى تحقيقها، من خلال وقوفها القوي مع أذربيجان، منع أرمينيا من خلق بؤرة صراع جديدة في منطقة "توفوز" الحدودية، ذات الأهمية الاستراتيجية الكبيرة لتركيا، بعد استهدافها من قبل أرمينيا مؤخراً، حيث تسعى تركيا إلى حماية وتأمين هذه المنطقة الحيوية، التي تمر عبرها مشاريع إمدادات الطاقة (النفط والغاز)، ومشروع سكك حديدية عابر للقارات، ضمن مشروع طريق الحرير، وهذه المشاريع أحدها مشروع "تاناب"، لنقل الغاز من أذربيجان إلى أوروبا عبر تركيا، وهذا المشروع يدعم توجّه تركيا للاكتفاء من الغاز بعد التقليل من الاعتماد على الغاز الروسي إلى أدنى مستوياته، كما يُساهم في تسهيل تصدير تركيا للغاز إلى أوربا بعد اكتشافها ل 405 مليارات مكعبة من الغاز في البحر الأسود مؤخراً، وكذلك مشروع نقل النفط من "باكو" إلى "تبليسي" بجورجيا، ومنه إلى ميناء جيهان التركي، جنوباً، ومنه إلى أوربا. أما مشروع سكك الحديد، الذي يمرّ بمنطقة "توفوز" الحدودية، فسوف ينقل أكثر من مليون مسافر آسيوي إلى تركيا، وأكثر من 6 ملايين طن بضائع سنوياً، وسيوصل الصين وغيرها من الدول بتركيا، ويجعل تركيا مقصداً للصينين وبعض دول آسيا، ويدّر عليها المليارات، ومن المؤكّد فإنها تسعى لحمايته.

- إظهار قدرات وخبرات تركيا العسكرية

لم تأتِ الحرب في "قره باغ" إلا بعد سنوات من التعاون العسكري التركي - الأذري، حيث لتركيا قواعد عسكرية في أذربيجان، ولدى البلدين برنامج مشترك للتعاون العسكري، ويقيمان مناورات عسكرية واختبارات لجاهزية الطائرات الحربية لجيشي البلدين، وهذه الحرب أظهرت مدى أهمية التدريبات التي تلقاها الجنود في أذربيجان على أيدي الضباط الأتراك، وكذلك أهمية الدعم اللوجستي التركي، وأهمية طائرات "بيرقدار" المسيّرة، والتي شكّلت إضافة نوعية لقدرات الجيش الأذربيجاني، الذي استطاع من خلالها توجيه ضربات مؤلمة للجيش الأرميني، وتدمير مخازن أسلحة وعربات عسكرية، وتدمير أنظمة الدفاع المتقدّمة لجيش أرمينا، ومنحت الجيش الأذربيجاني تفوقاً نوعياً مكّنه من التقد.م والسيطرة على أراضيه المحتلة.
الحرب بين أذربيجان عززت انتشار الجيش التركي، وأظهرت قدرات تركيا العسكرية، وتفوّق الأسلحة، ودورها في الحسم العسكري لصالح أذربيجان، إذ لم تدخل تركيا الحرب مع أذربيجان بكل ثقلها، وإنما قدّمت لها بعض المساعدات العسكرية والعتاد والأسلحة والدعم الفني واللوجستي، مما قلب الوضع الميداني لصالح أذربيجان، خلال فترة قياسية.

المصدر - قناة بلقيس

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص

كاريكاتير

بدون عنوان