الصحافة ليست جريمة.. بل هي في خطر
الساعة 11:24 صباحاً

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية صدرت أول جريدة في مدينة مكة المكرمة. فكانت أول الصحف اليومية في بلاد المملكة العربية السعودية. الصحافة القوية والمستقلة عرفت بالسلطة الرابعة لما كان لها دور أساسي في صناعة الرأي العام حول أي قضية تهم المواطن. فلطالما وصفت الصحافة بأنها صوت الشعب وتنبع من قلب الشعب، فهي تسلط الضوء على كل فساد وانحراف، وتحذر من أي ظاهرة سلبية قد تضر بالوطن والمواطن، إلا أن معظم الأنظمة العربية القمعية ساهمت بفرض رقابتها المبالغ فيها التي وصلت إلى الاستبداد؛ مما دفعنا إلى دق ناقوس الخطر حول حرية الصحافة.

تعتبر حرية الصحافة العجلة الأساسية التي يقوم عليها أي نظام ديمقراطي، لكن هذا لا يعني أن تكون الحرية مطلقة، بل أن تمارس الصحافة دورها في نشر الأخبار والمعلومات، وتساهم في نشر الثقافة والفكر بحريّةٍ بما لا يجاوز حدود القانون. إلا أن الوضع في المملكة العربية السعودية مختلف، فالنظام هو خط أحمر يمنع تخطيه، ومن تجرأ.. قطع إربًا كالصحافي المغدور جمال خاشقجي أو سجن كالناشطات لجين الهذلول وإسراء الغمغام، وطالبت النيابة العامة بإعدامه.

يكشف التصنيف العالمي لحرية الصحافة الذي أنجزه «مراسلون بلا حدود» تصاعد الكراهية ضدّ الصحافيين فتعتبر المملكة العربية السعودية من أكثر مناطق العالم صعوبة وخطورة لممارسة مهنة الصحافة حيث اكدت المنظمة انه هناك حالات سابقة لاختفاء صحافيين وناشطين قبل عملية اغتيال خاشقجي، كالصحافي السعودي صالح الشحي الذي اعتبر من عداد المختفين منذ سنة 2017 حتى اعتقاله سنة 2018، معتقل الصمت الخبير الاقتصادي الشهير والصحافي عصام الزامل فالسلطات لم تعلن عن احتجازه رسميًا طيلة الفترة التي قضاها خلف القضبان كالصحافي طراد العامري في عداد المختفين منذ سنة 2016. ففي إحدى تغريداته على مواقع التواصل الاجتماعي، تأسف عن موجة التعسف الخانقة التي تطال وسائل الإعلام في السعودية، وأخيرًا انقطعت تمامًا أخبار الصحافي السعودي الشهير فايز بن دمخ سنة 2017، عندما كان على وشك إطلاق قناة إخبارية من الكويت، علمًا أن تقارير صحافية محلية أفادت بأنه قد تعرض للاختطاف، وتم تسليمه إلى المملكة العربية السعودية، وأضاف مراسلون بلا حدود أن السعودية تحتل المرتبة 169 على جدول التصنيف العالمي لحرية الصحافة، حيث يقبع حاليًا ما بين 25 و30 من الصحافيين المحترفين وغير المحترفين في سجون المملكة.

استلم الامير اليافع زمام امور البلاد في محاولة من العائلة الحاكمة لتلميع صورة آل سلمان بعد حربها على اليمن، وحكمها الملكي الذي وصف بحكم القتلة، فما كان من محمد إلا أن طور علاقته مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. إلا أن هذه العلاقات الدبلوماسية الجيدة مع النظير الأمريكي، لم تمنع ترامب من الاعتراف أن هذه العلاقة مبنية على أموال السعودية فقط مقابل الخدمات الأمريكية. حتى قتل الصحافي المغدور جمال خاشقجي فاعتبر ترامب أن صفقة السلاح الذي سيبرمها مع نظيره السعودي، أهم من اغتيال صحافي حر حاول بكلماته انتقاد مملكة قتلة أصحاب الكلمة الحرة.

القمع في مملكة الخير وصل إلى مستوى تخطى التقديرات، فيد ابن سلمان طالت الصحافيين المعارضين، الذين فروا من قمع الداخل إلى الخارج، فمنذ أصبح محمد بن سلمان وليًا للعهد فإنه تم اعتقال الآلاف من المعارضين، اعتقل بعضهم بسبب عدم نشره تغريدات تؤيد مواقف ولي العهد، حتى توسع مدى هذا العنف الجغرافي، ففي السنة الماضية أكد معارض سعودي في لندن أنه ضرب على يد بلطجية أرسلتهم السفارة السعودية. ها هو العنف يتحول لخدمة خطط ابن سلمان الإصلاحية، فسجن أمير المبذرين الناشطين، وأسكت الصحافيين وادعى الإصلاح على طريق الهدى، لكن إن وجد الإرهاب الفكري فقد وجد كل إرهاب، كما أنه إذا وجدت الحرية الفكرية زال الإرهاب كله، ومن المستحيل أن نكون أحرارًا ما لم نكن أحرارًا في تفكيرنا وفي التعبير عنه.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص

كاريكاتير

بدون عنوان