الشيعة بين السياسة و الدين
الساعة 11:20 صباحاً

ليس بجديد علينا ان نشعر اننا محتلون،  وان الإحتلال مباشر هذه المرة. وان المحتل هو التكتل الفارسي بثقافته المستوردة. وان هذا الإحتلال مدجج بخبراء من جيش ايران وجحافل التابعين لها والمنظرين للثقافة الفارسيه دينية وغير دينية، و التي تعتبر بالنسبة لنا شر محض، لا نسبي، بينما تعتبره جماعة الحوثي وامثالها اضافة نوعية في الوقت الراهن.

على الرغم من الدائرة الضيقة جداً للسلطة في الأنظمة الشيعية وهشاشتها من المنظور السياسي، فإنها تتسم بالثبات النسبي للدائراين في فلكها، إذ يعُدّون بقاءها ركنا من أركان الدين الإسلامي ويرون أنّ لاختيار شاغلي الوظائف القيادية أهميتَه التاريخية، من جهة، والفقهية، من جهة أخرى، ويظنون أن الله أمر نبيه بأن ينصّ على الإمام علي وينصّبه علَماً على الناس. ويُجمع فقهاؤهم على أن الإمامة استُمدّت من النص حتى الإمام الثاني عشر، محمد المهدي المنتظر، آخر أئمة الاثني عشرية، الذي تولى الإمامة بعد أبيه الحسن العسكري، الإمام الحادي عشر للأئمّة الاثنى عشرية.

في حقيقة الأمر، ليس هناك نظام حكم حقيقي بالنسبة إلى الشيعة بالمعنى الكامل لكلمة "نظام"، ولهذا لجأت التكتلات الشيعية إلى تشكيل جدران صد من الفقهاء، يشرّعون ويؤدون دور الدولة بالنسبة إليهم. ولعل للخميني الدور الأكبر في بعث فكره "ولاية الفقيه" مجدداً، مستغلا ظرفا تاريخيا محددا. وقد أكسب الولاية صلاحيات الإمامة ووظائفها، لتشغل المكان الشاغر في قمة الهرم الشيعي، تسانده في ذلك مراكز قوى عالمية تسعى إلى خلق "التوازن" الذي تريد في المنطقة.

 

ولم ينحصر دور فقهاء الشيعة في الفتوى بالحلال والحرام، بل تعدى ذلك إلى التحكم في جزء كبير من الحياة الاقتصادية للمجتمع ككل.. وأصبحت علاقاتهم أوسع وأشمل، فصاروا المسؤولين عن رسم وتحديد السياسات الاقتصادية للدولة، لكونهم يمثلون حلقة الوصل مع التجار وأصحاب رأس المال، ما سهّل لهم إقامة المؤسسات الدينية وتسيير شؤونها بما يكفل استمرار الفكر المذهبي، حتى الوصول إلى الإستقلالية التامة لهم ولمؤسساتهم مستقبلاً، وأعطوا لأنفسهم الحق في انتقاد مظاهر الدولة المدنية والعبث بالمنظومات الاجتماعية، الاقتصادية والسياسية.

تاريخياً، استطاع الشيعة الزيدية إقامة ثلاث دول خلال الفترة من القرن الثاني إلى الرابع الهجريَين: الأدارسة في المغرب، الزيدية الناصرية في الديلم وطبرستان والزيدية الهادوية في اليمن، وهي الأكثر صموداً. وقد تحولت إلى الاثني عشرية بعد أن أحكمت جماعة "الحوثي" الحصار على صنعاء وسيطرت عليها.

 

توارثت جماعة "الحوثي" أو "أنصار الله"، كما يحبون أن يطلقوا على أنفسهم، أسوأ صفات الدولة، وكذلك الحال بالنسبة إلى كل الفرق الشيعية، إذ لم يكتفوا بالسلبيات المتوارَثة، بل أضافوا إليها الشيء الكثير، من قمع، استبداد، مصادرة للحقوق والحرّيات، احتقار واحتكار، تعصّب مذهبي وفئوي في أضيق الحدود، وعداوات للجميع، محليا وإقليميا ودوليا..

 

في ما مضى، كان هناك فصل بين التيارات الشيعية، فمنهم من يصنفها إلى ثلاثة: شيعة زيدية (أتباع زيد بن علي زين العابدين) وشيعة إسماعيلية: أتباع إسماعيل بن جعفر الصادق، وشيعة إمامية، لم تكن لهم دولة حتى يومنا هذا، بحسب بعض التصنيفات التاريخية.

 

متغيرات اليوم تضعها كلها في قالب واحد، فالجماعة نفسها ترى في التكتل -وإن كان غير بنّاء- وسيلة للاستبداد بالرأي، والغاية هي الحفاظ على كينونتها مهما بلغ الخلاف الداخلي. ولعل ما صرّح به آية الله روحاني قبل عقود يوضح الكثير من اللبس، إذ قال إن مجلس الخبراء بقراره تنصيب منتظري قد اغتصب حق غيره في خلافة الأمام الخميني، كما اغتُصب حق الإمام علي في خلافة النبي في "اجتماع السقيفة"، رغم أن روحاني كان أكثرهم ميولاً إلى الشّاه وله نشاطات ملموسة مع حزب "پان إيرانيست" أو ما يُعرف بحزب "إيران العظمى".

 

ان الهيمنة الشيعية تتغلغل في بلدنا وبعض البلدان العربية خطوة بخطوة. تغلغُل من الممكن ان ينجح (رغم معارضة السواد الأعظم له) كأسلوب، بينما ترى بعض مراكز القوى انه ناجح لتفتيت دول المنطقة، الأمر الذي سيسهل من عملية اعادة توزيع ثرواتها، دون ان تضع ادنى إعتبار لعشرات الملايين من سكانها.

 

جُرم ان يشارك عربي واحد في هذا. وعلى المدافعين عن الهوية العربية الفكير في كيفية انتشال الملايين من دائرة الفقر، والارتقاء بهم الى مستوى معيشي افضل. وفي كيفية توفير المناخ الملائم للتعليم، وتوفير القوت الضروري لأجيال تنشأ بلا مستقبل، في ظل ثقافة الفيد والتوجه القمعي السائد. لا الزج بهم في صراع لا ناقة لهم فيه ولا جمل...

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص

كاريكاتير

بدون عنوان