أنت ثروتنا الوحيدة يا الله !
الساعة 01:33 مساءً

أنت ثروتنا الوحيدة يا الله، هذا ما قالته أمي بلغتها: الله ثروة الفقراء، خبز أرواحهم الجائعة، ذخيرتهم الروحية في مستقبلهم المكشوف، رصيدهم الوحيد في حياة كلها قحط، ديار بلا زاد وجيوب بلا نقود..للناس مصادرهم الدنيوية في الأمان، ولنا ظلالك العالية تحرسنا من وحشة الحياة، نتماسك بك، وفيك أمل وكثير من الطمأنينة. فأنت وحدك يا الله، الجواب الأخير لكل الأسئلة. 

رمضان بيني وبينك، مواجيد وأشواق، أنت الماء وأنا الظمأ، أنت السحاب وأنا أرضك العطشى، أنت الحرية وأنا سجين ضاقت به القيود..
حررني يا رسول الأبد، حررني من عبء الزمن، من خناق المادة وثقالة الروح، حررني مني، هبني جناحين وريش، هبني  شيء من طلاقتك، وهبني شيئًا من صفات الأبد.

كلما جفت ينابيع روحي؛ هبطت إلى وديانك يا الله، أرمم الطرقات بيني وبينك؛ كي أستعيد طريقي إليّ، كي أجد اشارة على جنبات الطريق، ضوء في العتمة، ينجيني من الضياع الكبير. 
لا أطرق بابك ولا أستأذن بالدخول، هكذا بكامل أثقالي أدخل عليك فجأة، أهبط في ساحتك أو أصعد نحو أفلاكك، أتعرى أمامك وفي القلب ثقوب وفي النفس ندوب غائرة، أناجيك أحيانًا ، أرفع يدي نحو السماء وأشعر بصدري فارغًا من كل شيء، إلاك، يا ملاذنا الأخير. 
لقد صادر لصوص الأرض منا كل شيء، المال والقوة والنفوذ، وحدك ما لا يُسرق، وما لن نفرط به، وحدك ما تبقى لنا في هذا الخراب الكبير، درعنا في الصحراء، وقلعتنا الحصينة عند الخطوب. 

وحدك من لا يخجلني الانكشاف أمامه، أهيم في كل مكان، أفتش عن ذاتي في كل الأزقة والدروب، وحين يتخطفني التيه، أعود إلى نبعك الكبير، أعود إليك؛ كي أستعيد ذاتي المفقودة. 
تعال أيها البشير، أنخ قافلتك؛ كي أتزود منك، أنت الكأس والشراب، أنت المصباح والضوء، أنت الجسد والكساء، هات الرداء؛ لتستعيد الروح بصيرتها، لتنقشع الغشاوة وتذهب غمة الروح، لقد شاب الجميع هنا وليل الحرب طويلة، هبنا ما يكفي من القوة؛ كي نقطع الرحلة ولا نشيخ. 

أيها العلي المتعال، لقد أخبرتني أمي عنك، وأنا ولد يثق بما تقوله الأمهات، كنت أسمعها تناجيك، عند المغيب وفي الدلجة الحالكة، في الأسحار والغبش، كانت تلهج باسمك، وكانت تلك بدايتي في الإحساس بك، حيث الفتى نظيف الدماغ، طري القلب، يصغي إلى دعاء أمه ويشعر أن ثمة قوة عليا تحرس هذا الكون، ترمم كسور العباد وتمسح على قلوب أبناءه الخائفة.. أعرفك جيدا، أتنفسك، أشعر بك ولست بحاجة للدليل. وليس يصح في الأفهام شيء** إذ احتاج النهار إلى دليل. 
قرأت كثيرا في الفلسفة وما زلت، تهتز قناعتي ثم تتماسك، ترتخي ثانية وأستعيد الثبات، أتخلل وأعيد الكرة. شيء وحيد لم يتغير إحساسي معه، هو أني أعود إليك في كل مرة مهما بعثرتني الأيام ، مهما حجبتني الأهواء وشوشتني أحابيل الكلام، فأجد سكينة مختلفة. 

دع عنك جدل الأديان حول الله، دع عنك ميراث الطوائف والملل، مذاهب الوجود وكل حجج المتكلمين وبراهين العقول حول هذا اللغز الكبير، الله. 
تلك أمور مهمة؛ لكنها غير كافية؛ فللحقيقة دروب أخرى. دع روحك تتلمّس الطريق إليها، اصغ لصوت قادم من أقاصي النفس، نداء يسكن فيك من قبل ميلاد الزمان والمكان، قد تجده هنا، ذلك هو الله ولا شيء غيره.

بكل ما فيك في هذه اللحظة، بكل ماضيك الثقيل، مستقبلك المسدود وأحلامك الخائبة، يمكنك أن تذهب إليه شامخ الرأس كسلطان حاكم لهذه الأرض، بثوب روحك الممزق، بارتباكك وخوفك، بيقينك وشكوكك، بعبقريتك وغباءك، بإيمانك أو حتى عجزك عن الإيمان. لك أن تقف أمامه وتخاطبه، تذهب إليه وتفاوضه، سواء كنت تشعر به أم لا، تملك الحق بخوض التجربة. 

هناك قوة ما، في مكان ما، سمئها ما شئت، قوة هائلة، مبثوثة في الوجود، ولها صلة بك، أمي تسميها: الله وأمي امرأة لا تكذب، يمكنك الحديث معها، فتح خطوط للإتصال بها، لا بد أن الحياة تغدو بعدها فكرة ممكنة، أقل قسوة و، وحده الإيمان يجعلها كذلك، وحده الشيطان يحتمل حياة قاسية بلا أي يقين ولا رجاء بعيد.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص

كاريكاتير

بدون عنوان