خطبة الوداع و هدم مآثر الأدعياء
الساعة 04:57 مساءً

في يوم عرفة من العام العاشر للهجرة، و قف محمد صلى الله عليه و سلم يخاطب المكان و الزمان من خلال أكرم موكب شهدته عرفات.

   يومها وقف عليه السلام يلقي وصاياه على ذلك الحشد المتميز ؛ ليحمل تلك الوصايا إلى من يليهم عبر الأزمان ، وتطوف كل مكان كأغلى وصية نطق به إنسان.

   كان فتح مكة المكرمة قد سبق في رمضان من العام الثامن من الهجرة، و في موسم حج ذلك العام - على ما ذكره الإمام الذهبي- أقام لهم الحج أمير مكة عتاب بن أسيد الذي عينه الرسول بعد الفتح، وحج معهم - أيضا - المشركون على ماكانوا عليه، ثم جاء الموسم التالي ؛ ليحج المسلمون، حيث أمّر الرسول صلى الله عليه و سلم أبابكر الصديق(رض) لذلك الموسم و حج معهم المشركون على نفس طريقتهم، و في هذا الموسم صدر الإعلان أنه لا يحج بعد العام مشرك، و لا يطوف بالبيت عريان ! حيث كلف النبي علي بن أبي طالب (رض) بقراءة صدر سورة براءة على الناس يوم الحج الأكبر، مستقرهم بمنى.

   عدم منع الرسول للمشركين في موسمين متتاليين من الحج بالرغم من أن مكة المكرمة قد أصبحت في إطار دولة الإسلام، أمر يستدعي التأمل مليا. و ليس هنا مجال الحديث عن هذا .

 

   تتطلع بعض النفسيات أحيانا إلى أن تدّعي لنفسها ميزة و أفضلية، تتعالى بها على الآخرين، و تدعي بها تفاخرا على سائر البشر .

   من ذلك أن قريشا زعمت لنفسها تميزا أنها تقف حين حجها بالمزدلفة؛ و المزدلفة داخل حدود الحرم،  فيما يقف سائر الحجيج في عرفات ؛ التي هي خارج حدود الحرم ، و يُعلّل القرشيون ذلك بأنهم أهل الله، و أهل الحرم، بل تمادوا في تفضيل أنفسهم إلى حد زعمهم لمن يأتي للحج من غيرهم بأنهم لا ينبغي لهم أن يطوفوا أول مقدمهم إلا بثياب القرشيين، فإن لم يجدوا طافوا عرايا، يستوي في ذلك الرجال و النساء ! و لذلك قيل :

 

     اليوم يبدو بعضه أو كله   و ما بدا منه فلا أُحلّه

 

   و حج النبي صلى الله عليه و سلم في العام العاشر للهجرة، و تسامع المسلمون بخبر عزم الرسول للحج، فهبوا من كل فج عميق ؛ ليأخذوا عنه (ص) مناسك حجهم.

 

   كانت قريش تظن أن الرسول عليه السلام سيعزز مزاعمها، فيقف يوم عرفة بالمزدلفة كما كانوا يفعلون، لكنه تجاوزها ليقف بعرفات و يفيض من حيث أفاض الناس، فهدم النبي (ص) مزاعم كاذبة لما كانت تفاخر بها  قريش، و ما كانوا يدعون.

   ثم لما وقف يلقي خطبة يوم عرفة؛ خطبة الوداع في حجة الوداع مضى يؤكد لهم عملا و قولا سواسية الناس، و ألا تفاضل إلا بالتقوى. و مضى عليه السلام يهدم مآثر الجاهلية، و أي تمايز أو تمييز، و أن حقوق الجميع واحدة ( إن دماءكم و أموالكم و أعراضكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم).

 

   و لم يستثن صلى الله عليه و سلم أحدا و لم يميز أحدا، حتى أقرب الناس إليه : ( و أن كل ربا موضوع .. و أول ربا أضعه ربا عمي العباس موضوع كله، و إن كل دم(ثأر) كان في الجاهلية موضوع، و إن أول دمائكم أضع دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، فهو أول ما أبدأ به من دماء الجاهلية، و إن مآثر الجاهلية موضوعة).

   و معلوم أن عامرا هذا هو ابن عم رسول الله.

 

  و وصايا كثيرة ، منها ما خص به من حقوق النساء ... حتى ختم بقوله :" أيها الناس: إن ربكم واحد، و إن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم . وليس لعربي فضل على عجمي إلا بالتقوى".

   ثم يأتي اليوم - كالحوثي - من يستدعي مزاعم قريش في الجاهلية متكلا على التفاخر بالعرق، أو متعاليا على الناس بالنسب، مع أنه لا قيمة للنسب ، و إنما القيمة للتقوى ، بل و يضيف المتوسلون بالنسب  من مزاعم الخرافات ما كانت تستحي في ادعائه قريش في جاهليتها.

   لقد أكد النبي صلى الله عليه و سلم ميدان التنافس القائم على العمل الصالح : أكرمكم .. أتقاكم.

 

   حين فتح الله على رسوله مكة المكرمة، أراد أن يدخل الكعبة فطلب من عثمان بن طلحة المفاتيح ، فلما دخلها و صلى فيها ركعتين تطلع العباس عم النبي و علي بن أبي طالب ابن - عمه - أن يعطيهم النبي مفاتيح الكعبة، فنادى الرسول عليه السلام أين عثمان بن طلحه؟ هاك مفاتيحك خذوها خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم.

 

   مزاعم الحق الإلهي التي يدعيها الحوثي و أمثاله، تسقط ، و تحترق كعشب يابس أمام هذه الدلائل النيرات، لكن الحوثي ، يستحمر الزنابيل لتصديقها، فيما دعاواه ليست أكثر من أنها دعاوى باطلة، و خرافة مختلقة يستدعي إليها النسب ؛ ليجعلوا منها شيئا مذكورا، لكنها تتناثر هباء ، و تصير إلى سراب عند حقائق الدين، و أمام وهج نور الإسلام.

   ألا هل بلّغ رسول الله  ؟ اللهم نعم، نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة و نصح للأمة و جاهد في الله حق جهاده، حتى أتاه اليقين.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص

كاريكاتير

بدون عنوان