الصف الجمهوري
الساعة 10:52 صباحاً

حين تقرأ في مذكرات من عايش، و كتب عن مواجهات الثورة و الجمهورية للإمامة و فلول الملكيين في نهاية ستينيات القرن العشرين تجد مصطلح الصف الجمهوري يتردد كثيرا في كتاباتهم.

   و الأهم الذي يجب معرفته هنا، و يجب أن يعرفه الصف الجمهوري اليوم، هو أن الصف الجمهوري في مواجهة الإمامة و الملكيين بالأمس، كان ينقسم على نفسه، و قد تتباين آراؤه، و تختلف وجهات نظره، و ربما وصل إلى حد استبعاد بعض القيادات، و إقصائها عن المشاركة في السلطة، بل وصل إلى حد سجن الحكومة مع عدد من القيادات السياسية في مصر لأكثر من عام منذ منتصف سبتمبر 1966 إلى منتصف أكتوبر 1967م.

 لكن رغم كل هذا التباين و الانقسام في الرأي ، إلا أنه لم يصل أبدا إلى أن يتخذ أي من فريقي الصف الجمهوري موقفا ضد التمسك بالثورة و النظام الجمهوري، فقد ظل الجميع مخلصين و متمسكون بالنظام الجمهوري، و لم يساوم أحد على هذا المبدأ، و لم يتملق أي منهم الملكيين أو يتزلف أحد من الفريقين للإماميين، نكاية أو تشفيا بالآخر، و إنما كانوا صفا واحد، يؤطرهم التمسك بالنظام الجمهوري، و رفضا للإمامة و بيت حميد الدين . لقد كانوا واضحين في مواقفهم، واضحين في تصريحاتهم، واضحين في بياناتهم و منشوراتهم .

   كانت مصر - التي وقفت مع الثورة اليمنية  - قد قررت سحب قواتها من اليمن إثر هزيمة حزيران 67م. يذكر محسن العيني- رحمه الله في مذكراته "حاول المسؤولون في صنعاء، عبثا، إقناع عبد الناصر بعدم سحب قواته. وبعد حديث طويل قالوا له:" سنكتفي بعشرة آلاف. طيب خمسة آلاف ". فقال لهم: "يبدو أنكم في واد آخر، و لا تدركون ما نحن فيه ".

   و هذا الأمر شجع الملكيين على شن هجمات مدعومة نحو العاصمة صنعاء، شارك فيها مرتزقة أجانب، و شجعها كذلك ما رأته من خلاف لدى الصف الجمهوري.

 يذكر الاستاذ محسن العيني في مذكراته :"خمسون عاما في الرمال المتحركة" و هو يتحدث عن أحداث أغسطس بين الجمهوريين، فيقول :" و من المفارقات العجيبة أن أسلحة الجمهوريين من الجانبين أوقفت إطلاق النار فيما بينهما وتوجهت في وقت واحد نحو الهجمات الملكية التي حاولت استغلال الفرصة لاحتلال بعض المواقع" !

   مواقف راسخة، و روح وطنية صادقة، تجاه النظام الجمهوري. إنه هدف يرفضون أن يجعلوه محلا للمساومة، نكاية،  أو تشفيا، أو فرصة لتصفية الحسابات، فيهادنون الملكيين أو الإماميين، كما تفعل بعض مواقف أولئك البعض، الذين ربما يسلخون المقاومة الشعبية،  أو الجيش الوطني ببياناتهم، و منشوراتهم، أو بمقالات رديئة، أو بمقابلات تلفزيونية مصنوعة، في حين لا يتعرضون للمشروع الظلامي للكهنوت الحوثي المدعوم من إيران بإشارة خفية، ناهيك عن عبارة ، أو  حتى كلمة - واحدة - صريحة.

   و بنقل صورة لحقيقة مواقف الصف الجمهوري يومذاك، يقول المرحوم محسن العيني، و هو يصف عودة كل الجمهوريين من الخارج، مع أعضاء الحكومة التي كانت معتقلة بمصر، يقول :" وكان المشير السلال وأركان حكومته في الحديدة، كما توافدت إليها جموع كبيرة من رجالات البلاد و المواطنين، و كانت المشاعر متباينة، جماعة حكمت، و جماعة اعتدي على كرامتها و حريتها فقضت الأشهر الطوال في السجون ...و لكن شيئًا واحدا كان يطغى على هذا كله هو الشعور بالخطر . الخطر على الجمهورية "!

  و يمضي يصف الصف الجمهوري الصلب :" و الحق أن واحدا من الواصلين لم يكن يفكر في تصفية أي حساب، و لا في إحداث أي إرباك، و لا في تعقيد لأي موقف. كانت الرغبة في التعاون المخلص قائمة ... تفاديا لأي خلاف يضعف الصف الجمهوري " !

   عندما تكون الأولويات واضحة، و المواقف ثابتة ، يتحدد الهدف بدقة، فيصطف الجميع بإخلاص . و حين تكون تصفية الحسابات، و المكايدات هي الأولوية، و يكون  توهم صنع البطولات في المكان الخطأ، و حيث لا تتطلب أي كلفة، و بعيدا عن أي اصطفاف جاد للهدف الكبير، الذي يستبدل بأهداف رخوة، و ارتهان لغير الوطن رجاء مصالح آنية، و منافع ذاتية، فاعلم حينئذ أن البوصلة مفقودة، و أن الزمام تتحكم به أيادٍ عابثة، أو خارجية .

   إننا بحاجة إلى صف جمهوري مخلص  في أدائه، متفان في عمله، ظاهر في مواقفه، يكون شعاره متطابقا مع شعار الصف الجمهوري الأول : الجمهورية أو الموت !

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص

كاريكاتير

بدون عنوان