ومات ايرلو تعيساً
الساعة 09:42 صباحاً

يعتبر حسن ايرلو النسخة الفارسية من الحاكم العسكري الامريكي بول بريمر في عراق ما بعد صدام حسين2003، غالبا ما تتعمد الدول ذات النزعات الاستعمارية والتدميرية للشعوب إظهار كامل سيطرتها على المشهد العام في هذه البلدان، فتحرص ان يكون سفرائها ممثلين عنها بصلاحيات واسعة تصل إلى درجة الحاكم العسكري.
 على عكس بريمر في العراق لم تكن السياسة الإيرانية في اليمن بحاجة إلى وضع دستور جديد يحدد علاقة الشعب بالدولة وينظم دور الدولة وعلاقتها بسلطة الاحتلال الجديدة، فعمر العلاقات و التشريعات الإيرانية في اليمن، وعلاقتها الروحية بالاتباع السلاليين يصل إلى مئات السنين، فليس اكثر ولا اهم من وجود نظرية دينية مذهبية وسياسية فكرية واجتماعية عقائدية شاملة تنظم  العلاقة وتجمع  بين أبناء الفرس وأحفاد الرسي وبني عمومتهم من بني هاشم، كنظرية الإمامة والولاية والتمايز السلالي التي تشكل القاعدة الفكرية والدينية و السياسية للتكامل والتخابر فيما بنهم البين والتي يزيد عمرها عن الف ومائتين عام.
 اُعِد حسن ايرلو بعناية ليكون رجل ايران الأول في اليمن، اظهر ايرلو نشاطا كوصيا وواليا إيرانيا وحاكما عسكريا على اليمن، ليس فقط فيما يخص السياسة العامة تجاه أعداء ايران في اليمن  بل ان وصايته تلك تسلطت لتنتزع القرار الداخلي داخل الحركة الحوثية ذاتها، فيفوق دوره المرشد بل هو المقرر السياسي داخل الحركة وأنشطتها وعلاقاتها وكل ما يتعلق بها داخليا وخارجيا.
تمكن ايرلو من ان يفرض حضوره المستفز داخل الحركة الحوثية وخارجها، ومن خلالها ظهر على الشارع العام اليمني كرجل ايران المسير للأحداث والمتحكم فيها، ظهر في احتفالات اليمنيين وأعيادهم، كما ظهر في جامعاتهم ومستشفياتهم، استقبل الموفدين الأمميين والخبراء إلى اليمن، كما استقبل شيوخ القبائل وكبار الشخصيات الاجتماعية والحزبية والعسكرية، اشرف على مسار العلميات الحربية، كما اشرف على الاعداد للتصنيع العسكري ومنحه الدعم الكامل، كان ايرلو معد جيدا ليلعب دوره كسيد السيد داخل الجماعة الحوثية، وداخل سلطة الأمر الواقع فيها.
فاذا كان السفر الأمريكي السابق في اليمن جيرالد فيرستين القادم من بيئات وظيفية مشبوهة شملت السعودية وباكستان وافغانستان بيروت  واسرائيل، تنتهي بوظيفته في مكتب منسق مكافحة الارهاب في واشنطن 2008،  قبل تعيينه سفيرا للولايات المتحدة في اليمن البلد الوحيد المعد سلفا ليكون محطة عدم استقرار في المنطقة وباعثا لحرب إقليمية تتورط فيها جميع دول الجوار لليمن،  قد مهد لتفكيك اليمن وانقسامه وتهيئة أجواء الحرب والجو السياسي والعسكري العام للانقلاب الحوثي في اليمن صبيحة 21 سبتمبر 2014، فان حسن ايرلو قد اعد لاستكمال المعركة وجعل اليمن مرتكزا للسيطرة الإيرانية على الدول الإقليمية والقرار السياسي والعسكري فيها، واتخاذ اليمن مركزا لهذه السيادة والتحكم في القرار الداخلي.
مارس ايرلو دورا داخليا خوله لاستقبال شيوخ القبائل ومد علاقات وتحالفات معها وتشكيل جناح سياسي وعسكري وقبلي خاص به، لتكوين جبهة مستقلة خارج نظر انصار الله وغلمانهم، وكان يمارس علاقته من منطلق تحقيق القرار المستقل الذي يرضي رؤسائه في طهران مباشرة وليس قادة المليشيات في صنعاء وصعده، ولعل هذا السلوك هو الذي تسبب في تسهيل عملية قتله وتصفيته بالتعاون مع الساخطين منه داخل دائرة انصار الله والتنسيق مع قوات التحالف العربي لاستهدافه. 
 اعتبر ايرلو معركة مارب معركة ايران قبل ان تكون معركة الحوثيين، لما تحمله هذه المعركة من حيثيات ونتائج تمكن من  تغيير نتيجة المعادلة لصالح طهران في الخليج العربي ككل.
أحرجت معركة مارب القيادة الإيرانية كما أحرجت قيادة الحوثيين، أمام رعاة الحرب الإقليميين والدولييين الذين يسعون لوضع نهاية لها، ومع  الذين تماهوا مع السيطرة الحوثية على مارب ومنحهم الأذن في اقتحامها عسكريا، تمهيدا لمرحلة ما بعد سيطرة ايران والحوثيين على اليمن .
لم تتمكن جميع الخطط العسكرية ولا القدرات القتالية ولا الأفواج الحربية المندفعة باتجاه مارب من تحقيق خرق ونصر عسكري، او امني او استخباراتي، يمكنهم من اقتحام المدينة، رغم وصول تلك المحاولات إلى اعلى دراجاتها من التخطيط والأعداد  والبذل ولإرهاب.
 كان ماء وجه ايران المراق في صحراء مارب وماء وجه غلامها عبدالملك قد فاحت منه روائح نتنة أزعجت الراعين الرسميين لهذه الحرب، فرائحة الدم الحوثية في صحراء مارب، وحجم التقارير التي ترفع يوميا عن عدد القتلى والخسائر الحوثية، وزيادة عدد اللاجئين وتضرر المدنيين فيها، جميعها ملفات  تشكل أحراجا للراعي الدولي لهذه الحرب، الذي لا يلبث ان يسوف للأوضاع ويمنح الفرص تلو الفرص  على امل ان يحقق المليشاويين في مارب انتصار جديد.
وهنا تتفق روايات البعض التي ترجح مقتل حسن ايرلو أثناء إشرافه المباشر على معارك مارب من قلب المعارك، نظرا لأهمية المعركة وضرورة الحسم فيها فإطالة تحقيق الهدف الإيراني الحوثي في مارب وضع الرجل موضع القائد الفاشل الذي يؤثر فشله في صورة ضباط الحرس الثوري الإيراني وبالاخص فيلق القدس اهم الفيالق القتالية فيه، وينسف سلطتهم وقوتهم في سوريا والعراق ولبنان بل في الداخل الإيراني ذاته، لذا كان تواجده في قلب المعارك مهما للحسم وهو ما رجح فرضية مقتله وهو يدير المعارك في مارب،  وما يرجح إخفاء سلطات  ايران حقيقة مقتله في الوقت ذاته وادعاء أصابته بكورونا حفاظا على ماء وجهها المهدر في صحراء مارب.  
وأيا كان شكل وفاة ايرلو ألا ان المؤكد انه مات في اليمن ميته غير سعيدة مات تعيسا فاقدا للحلم والنصر معا، نعم لقد كان  ايرلو اتعس قائد سياسي وعسكري قادته دولة احتلال اجنبي إلى بلد ما.
 قتل ايرلو  قبل ان يدفع كفارة اليمين الخاصة  بتحرير مارب، والإفطار بتمرها في رمضان الفائت، قتل ايرلو ولم يكن القتيل الوحيد في هذه المعركة ولكنه الشخصية الأسمن والأدسم فيها،  الشخصية  التي لفضتها صحراء مارب خارج اليمن وبعيدا عن ترابها الطاهر.
 قتل ايرلو قبل ان يحظى بقضم برتقالة واحده من مزارع مارب تمنحه بعض المناعة ضد ما أصابه من هزيمة وكبر ، اما عن موته مشتهيا لتمر مأرب فهذه قصة أخرى توازي اشتهاء  انفه رائحة النفط والغاز المنبعث منها، ورغبته في الرقص والشواء حول أعمدة عرش بلقيس في عيد النيروز القادم. 
نعم لقد قتل ايرلو وهو تعيسا قبل ان ينتشي باي انتصار فعلي حققته سياسته منذ وصوله وحتى مقتله، كانت مارب هي ام المعارك الجمهورية الامامية وام المعارك اليمنية الإيرانية، قادسية القرن الثاني والعشرين التي لن تحسم نتائجها إلا بالنصر لأصحاب الأرض وأقيالها العظام، فهم الأقدر على استعادة خسارتهم ودولتهم ومقاومة مشاريع طهران وتلقين أبناء الإمامة وغلمانهم دروس في الوطنية والمقاومة والى الأبد.
 لقد كانت خسارة ايران بايلرو كبيرة كونها اتت في وقت حرج جدا تحاول من خلاله ايران ان تفرض واقع جديد في المنطقة يتزامن مع محادثاتها الجديدة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والمجتمع الدولي بخصوص ملفها النووي كانت ايرن بامس الحاجة لجهود الرجل لفرض الامر الواقع وتقبل ايران كدولة نفوذ ورقم صعب في معادلة السياسة الإقليمية لقد خسرت ايران بمقتله دور داخلي لها لن يكون كما كان قبله، و سيكون له ما بعده من السياسات والهزات الارتدادية التي ستنسف الولاية الطهرانية على صنعاء وتهزم شيعتها الجبناء.
  واذا ما كان ثمة لنا من عزاء يقال في هذه المناسبة التي اثلج الله صدرونا فيها بقتل هذا العلج وانزياحه من أرضنا، فهو عزائنا في إخواننا من أبناء جلدتنا ووطننا ممن تعاونوا ليكونوا ممر امن لعبور رجال طهران وغلمان بدرالدين الحوثي  على جثمان أبنائهم وأهلهم، عزائنا لكل من تعاون وتخابر ونصر وتناصر مع فلول الإمامة وأذناب الفرس لتكون لهم اليد العليا فوق يد اليمنيين والكلمة العليا فوق كلمتهم، عزائنا لهم عزاء المنتصر الحر بإرادته المؤمل خيرا في أبناء أرضه ووطنه على امل ان ينجلي هذا الطاغوت والكهنوت من حياة اليمن واليمنيين إلى الأبد.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص

كاريكاتير

بدون عنوان