خنجر قحطان
الساعة 03:00 مساءً

الثانية ظهراً. الشمس تحترق بلا هوادة في سماء خالية من السحب، تُلهب أديم الأرض بسياطها النارية، وتجعل من خيمتهما الصّغيرة أشبه بتنورٍ مشتعل.

هما ضمن قوّةٍ بسيطةٍ مُعسكِرةٍ في مؤخرة الجبهة، متكئان، يلوكان قاتهما بشغفٍ وينزفان عرقاً غزيراً. الوجود حولهما مغلّف بسكون مشحون بالتأهّب.

في العادة لا يشتد القتال إلا مع حلول الظلام. مع ذلك قد يتم استدعاؤهما بأية لحظة لدعم الخطوط الأمامية. وطالما وذلك لم يحدث بعدُ فلا يزال بوسعهما الاستمتاع بجولة شطرنج.

بالأمس تمكن قحطان من هزيمة معاذ، وها هو الثاني يتوعّد، اليوم، بالثأر.

قام بحماسٍ إلى حقيبة قحطان ليأتي بصندوق الشطرنج. وفيما يتحسّس باحثاً بين أغراض صديقه، أمسك بقطعة حديدية ثقيلة. أخرجها فإذا هي خنجر كبير الحجم، معتم وبلا غمد. لم يره مع قحطان من قبل. يبدو بدائياً. ليس من ذلك النوع الذي قد يكون فعّالاً في اشتباكٍ ما.

ما هذا الخنجر؟!، ضاحكاً.

تكدّرت ملامح قحطان. قام مستنفراً، أمسك بالخنجر ودسّه بعصبية في الحقيبة:

دعك من الخنجر، بالتأكيد لا علاقة له بالشطرنج!.

في صمتٍ عبوسٍ، عاد معاذ إلى متكئه.

أدرك قحطان بأنّه قد بالغ في ردة فعله. حمل صندوق الشطرنج ومضى إلى مقابل صديقه. وفيما يرصّ القطع على الرقعة:

أعتذر. لا تزعل أرجوك. هيا يا صديقي. هيئ جيشك وأرني إن كان بوسعك حقّاً هزيمتي. وفي الأثناء سأخبرك بقصة الخنجر وستتفهّمني.

استجاب معاذ بثقل. وبدأ قحطان يقص منذ أول نقلة:

أنا يا صديقي سليل أسرة احترفت النجارة منذ زمن بعيد. جدّي لأبي اكتسب شهرة استثنائية في صناعة البوّابات الخشبية وزخرفتها. من اختيار الشجرة المناسبة إلى تقطيعها ألواحاً إلى تركيبها وزخرفتها، كان جدّي أسطورة في ذلك. لم يتعاط مع الأمر كمجرد حرفة، بل كشغف وفن.

نَمَت شهرة جدّي إلى أذن عامل الإمام بمنطقتنا آنذاك. استدعاه إلى قصره وأمره بأن يصنع له بوّابة عظيمة الحجم والتفاصيل، بوّابة يسكب فيها كل عبقريته، وأن يُضمِّن اسمه الشريف في زخرفتها.

انكبّ جدّي شهوراً ينجز تلك التحفة. أتمّها أخيراً وأبلغ عامل الإمام بأن يرسل

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص

كاريكاتير

بدون عنوان