عام على انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني .. ما الذي تغير ؟!
الساعة 12:56 صباحاً


مر عام منذ انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي الإيراني في 8 مايو أيار2018 م فماذا الذي حققته الإدارة الأمريكية وحلفائها في المنطقة بعد عام من هذا الانسحاب أحادي الجانب والعقوبات الأمريكية على إيران بحزمتها الأولى والثانية والتي انتهت بتصعيد أمريكي ومحاولة تصفير الصادرات النفطية الإيرانية ثم محاولة استفزاز إيران بإرسال حاملة الطائرات الأمريكية (أبراهام لينكولن) وقاذفات قنابل وطائرات b 52 إلى منطقة القيادة المركزية في الخليج فهل رضخت إيران  للضغوط الأمريكية ؟! 
وهل حققت واشنطن وحلفائها في المنطقة أهدافهم من هذه العقوبات والضغوطات والاستفزازات ؟!

سنحاول خلال هذا المقال تقديم الإجابات الكافية على هذه التساؤلات التي تشغل اهتمام النخبة العالمية وهي تراقب تصاعد التوتر بين واشطن وطهران في منطقة الخليج والشرق الأوسط .

* فشل العقوبات وسقوط الرهانات  

منذ انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني في 8 مايو أيار 2018م ظلت ادارة ترامب وحلفائها في المنطقة يراهنون على رضوخ إيران للضغوط الأمريكية ومن ثم جلوسها مع الأمريكان على مائدة حوار غير مشروط للخروج بـ " اتفاق نووي جديد " يشمل برنامج إيران الصاروخي وتصفية نفوذها في المنطقة و" تعديل السلوك " الإيراني ودخولها في بيت الطاعة الأمريكي تحت ضغوط الداخل وحصار الخارج ولكن شيئا من هذا لم يحدث ولم ترضخ إيران للضغوط الأمريكية ولم تأبه لانسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني وحين وجدت واشنطن أن عقوباتها قد فشلت في تحقيق أهدافها وإجبار طهران على الرضوخ للضغوطات والجلوس للحوار والتفاوض على " اتفاق نووي جديد "  يقيد إيران ويصفي نفوذها في المنطقة فأقرت الإدارة الأمريكية في 7 أغسطس آب  2018م حزمة أولى من العقوبات على إيران والتي شملت فرض قيود على شراء إيران للدولارات وعلى تجارة الذهب والمعادن النفيسة وعلى تعاملات إيران في قطاع الطاقة ومجالات المعادن والفحم وبرامج الكمبيوتر المرتبطة بالصناعات كما منعت واشنطن استيراد السجاد الإيراني وفرضت عقوبات ضد الشركات التي تدير الموانئ الإيرانية والشركات العاملة في الشحن البحري وصناعة السفن في إيران ، كل هذه الضغوطات والعقوبات دفعت النظام الإيراني إلى التحرك وبذل جهود دبلوماسية مكثفة لإنقاذ "الاتفاق النووي"، والإبقاء على العلاقات التجارية مع الدول الأوروبية ومع مختلف الدول أمثال الصي وروسيا والهند وتركيا وغيرها كما تبنى النظام الإيراني معالجات هامة في الداخل وسياسة تقشف وتقليل للنفقات للتكيف مع هذه العقوبات وتجاوز آثارها ونجحت إلى حد كبير . 

* إيران تتجاوز العقوبات 

.. ومضت الأيام والأشهر وإيران تواصل الصمود والتحدي وتواصل سياستها في المنطقة وتعزيز نفوذها ومكانتها ولم ترضخ للضغوط الأمريكية فأقرت واشنطن في 5 نوفمبر تشرين الثاني 2018 م الحزمة الثانية من العقوبات الأميركية على إيران والتي تستهدف على وجه التحديد قطاع الطاقة وخصوصا قطاع النفط والغاز الإيراني وعلى المؤسسات المالية الأجنبية التي تتعامل مع البنك المركزي وبقية المصارف الإيرانية كما شملت العقوبات الشركات المشغلة للموانئ وأحواض بناء السفن وشركات النقل البحري الإيرانية ولكن واشنطن سمحت حينها وبشكل مؤقت لثماني دول باستيراد النفط والغاز الإيراني وهي : ( الصين والهند وروسيا وتركيا وايطاليا وتايوان وكوريا الجنوبية واليابان ) وأعلنت واشنطن حينها أن الهدف من العقوبات هو إجبار إيران على الدخول في مفاوضات بشأن التخلي عن برامجها النووية والصاروخية .
وانتظرت واشنطن وحلفائها في المنطقة رضوخ إيران للشروط الـ 12 التي حددها وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو لاتفاق نووي جديد ولكن إيران رفضت الرضوخ للضغوط الأمريكية ورفضت التخلي عن حقوقها في امتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية وتفعيل برنامجها الصاروخي ودعم حلفائها في المنطقة واعتبرت أن شروط بومبيو تعجيزية وتهدف لتغيير النظام في إيران وأن ترامب اذا كان يرغب في إجراء محادثات مع إيران فعليه أولا أن يعاود الانضمام إلى الاتفاق النووي، الذي انسحب منه في 8  مايو أيار 2018 بإيعاز إسرائيلي وتشجيع من السعودية والإمارات ولما وجدت واشنطن أن العقوبات التي تفرضها على إيران فشلت في تحقيق أهدافها في تركيع إيران وابتزازاها وباتت سلاح قديم فقد مفعوله ولم يعد يجدي فقد تكيفت إيران خلال العقود الماضية على هذه العقوبات وتعايشت معها وطورت حلولا وبدائل وطرق وأساليب لتجاوزها والالتفاف عليها صحيح أن هذه العقوبات أثرت على الواقع المعيشي للناس في الداخل الايراني وزادت من ارتفاع سعر الدولار وزادت من البطالة والتضخم ولكن هناك تفهم لدى الشعب الإيراني لهذا الواقع وإدراك بمدى التحديات التي تواجهها الحكومة وبات الرهان على تحرك شعبي يسقط النظام الإيراني نوعا من أحلام اليقظة لا أكثر .

* إيران ترد بالمعاملة بالمثل 

السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وفي ملف إيران بالذات تمضي نحو التصعيد اللاعقلاني حيث تدفع إسرائيل والسعودية والإمارات واشنطن إلى حرب مع إيران دون إدراك لتداعياتها الكارثية وعواقبها الوخيمة على مصالح واشنطن والمنطقة عموما إذ ترى واشنطن أن سياسة العقوبات تفشل كل مرة في تحقيق أهدافها وبدلا من عودة واشنطن للاتفاق النووي كونه الخيار الذي لا بديل له تمضي في اتجاه التصعيد الكارثي فقد اتخذ ترامب قرارا في8  أبريل نيسان 2018 م بإدراج الحرس الثوري الإيراني على لائحة المنظمات الإرهابية الأجنبية في سابقة لم تحدث بالتأريخ البشري أن تصنف دولة عظمى جيشا لدولة أخرى في قوائم الإرهاب ورغم كل هذه الضغوط والتصعيد الامريكي لم تخضع إيران للضغوط الأمريكية بل ردت بالمثل حيث صنف مجلس الأمن الأعلى في إيران بتأريخ 8  أبريل نيسان الماضي القوات المسلحة الأمريكية "منظمة إرهابية" رداً على قرار واشنطن إدراج الحرس الثوري الإيراني على القائمة الأمريكية للجماعات الإرهابية الأجنبية.
كما وقع الرئيس الإيراني حسن روحاني يوم الثلاثاء  30أبريل نيسان 2018م قانونا بـ "إعلان جميع القوات الأمريكية في الشرق الأوسط إرهابية والحكومة الأمريكية راعية للإرهاب " ووجه تعليماته لوزارتي الاستخبارات والخارجية والقوات المسلحة والمجلس الأعلى للأمن القومي بتنفيذ القانون الذي يستهدف بشكل خاص القيادة المركزية الأمريكية منظمة إرهابية ، بالإضافة إلى القيادة المركزية الأمريكية المسؤولة عن العمليات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط وأفغانستان.
كما هددت إيران بإغلاق مضيق هرمز وإيقاف تدفق النفط من خلاله وإرباك أسواق الطاقة واستهداف القواعد العسكرية والجنود الأمريكان في المنطقة واتخاذ كل الخيارات إن منعت من تصدير نفطها أو تعرضت لاعتداء .

* تصعيد أمريكي جديد 

رغم كل تأكيدات واشنطن أنها لا تريد الحرب مع إيران وأحاديث ترامب عن أمله في لقاء القادة الإيرانيين للتوصل إلى اتفاق نووي جديد معهم ومع هذا تمضي واشنطن باتجاه التصعيد العسكري ويناقض ترامب حديثه ويمضي في سياسات العقوبات الفاشلة والتصعيد الخطير ضد إيران حيث قرر ترامب إنهاء الإعفاءات المؤقتة التي منحت لثماني دول تشتري النفط الإيراني بداية من  2مايو أيار الجاري ولم يكتف ترامب بهذا التصعيد بل قام بإرسال حاملة الطائرات الأمريكية (أبراهام لينكولن) وقاذفات قنابل وطائرات b 52 إلى منطقة الخليج كرسالة تهديد شديدة لإيران وسبقها تهديد ووعيد لكل الدول التي سوف تواصل شراء النفط الإيراني كما وقع ترامب قرارا رئاسيا يقضي بفرض عقوبات إضافية على إيران تستهدف قطاع المعادن . 
وشملت العقوبات الأميركية الجديدة ضد إيران قطاعات الحديد والصلب والألمنيوم والنحاس التي تشكل 10% من مجمل صادراتها، كما يشمل القرار عقوبات يقررها وزير الخزانة بالتشاور مع وزير الخارجية على مؤسسات مالية أجنبية شاركت في معاملات منذ تاريخ صدوره .

* رد إيراني هادئ وذكي 

ردا على هذا التصعيد الإيراني أوقفت إيران تنفيذ بعض بنود الاتفاق النووي وأبلغت سفراء بريطانيا وفرنسا وألمانيا والصين وروسيا بوقف تنفيذ بعض التزاماتها بالاتفاق النووي في ذكرى مرور عام على انسحاب واشطن الاحادي الجانب من الاتفاق النووي الإيراني وعدم قدرة بقية الدول الأعضاء بالتزاماتها واتخاذ أي خطوات من شأنها حماية المصالح الإيرانية إذ لم يستطيعوا بحسب حديث وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف مواجهة الضغوط الأميركية لهذا رأت إيران أنه من مصلحتها عدم تنفيذ بعض الإجراءات المنصوص عليها في الاتفاق النووي والتي كانت تنفذها طواعية.
وهو تصرف إيراني ذكي حيث وضع الكرة في مرمى بقية الدول الموقعة على الاتفاق النووي وأعطاهم مهلة 60 يوما للتحرك وإيجاد حلول لتصدير النفط الإيراني والتعامل مع البنك المركزي الإيراني حيث أعلنت إيران عدم الالتزام بسقف امتلاك 300 كلغ من الیورانیوم المخصب ونسبة التخصیب 3.67 في المئة وسقف 130 كلغ للماء الثقیل لفترة 60 يوما وفي حال استمرار عدم التزام الأطراف الأخرى بتعهداتها فإن إیران ستتخذ خطوات لاحقة أخرى.
وبهذه الإجراءات لم تخرج إيران من الاتفاق النووي ولم تستمر بالعمل بكامل بنوده بل اتخذت إجراءات ضمن مقررات الاتفاق النووي حيث البندان 26 و36 يعطيان لإيران الحق في خفض التزاماتها كليا أو جزئيا إذا ما أخل أحد الأطراف بالتزاماته  وهو ما يكشف عن تعامل إيران الندي مع الأمريكان والدول الأخرى في بنود الاتفاق النووي . 

* سياسة العقوبات الفاشلة وخطورة التصعيد 

سياسة العقوبات الأمريكية المتخذة ضد إيران فاشلة وقد فشلت منذ عقود في منع إيران من أن تصبح دولة إقليمية مؤثرة وتبني ترسانة عسكرية يحسب لها العالم وفي مقدمته إسرائيل ألف حساب كما لم تمنع هذه العقوبات من مد نفوذها الإقليمي ودعم حلفائها والتأثير في أحداث المنطقة ولعب دور محوري فاعل وإحداث تطور كبير ونهضة علمية وعسكرية وتنمية شاملة داخل إيران وإيران لديها نفس طويل وصبر وخيارات كثيرة ومؤلمة بحق واشنطن ومصالحها وقواعدها وجنودها وحلفاءها في المنطقة في حال تعرضت لاعتداء ورغم فشل هذه العقوبات وبدلا من أن تراجع واشنطن سياساتها تمضي في طريق التصعيد رغم أنها عاجزة عن حماية حلفائها كما هي عاجزة عن حماية قواعدها في الخليج والعراق والتي هي تحت مرمى الصواريخ الإيرانية كما أن واشنطن عاجزة عن حماية مصالحها في المنطقة في حال اندلاع مواجهات مع إيران كما تخشى على جنودها في العراق من استهداف الفصائل العراقية المسلحة الموالية لإيران ولذا أرسلت بالأمس وزير خارجيتها مايك بومبيو إلى بغداد لبحث سبل تأميل الالاف من الجنود الأمريكيين في القواعد الأمريكية في العراق ومع هذا تمضي واشنطن في التصعيد العسكري ضد إيران ومواصلة سياسة العقوبات الفاشلة وهو أمر محير ويستعصي على الفهم ولكن يبدو أن ترامب صار أسيرا لمستشاره لشؤون الأمن القومي جون بولتون ولبنيامين نتنياهو ومحمد بن سلمان ومحمد بن زايد ويمضي نحو حرب سيخسر فيها الجميع بما فيها إيران ولكن واشنطن ستخسر سمعتها كقوى عظمى وهيمنتها على المنطقة وستنكسر عسكريا وربما ترحل بقواعدها وجنودها من المنطقة وتكون نهايتها كقوة عظمى في هذه المنطقة من يدري ؟

* باحث في الشأن الإيراني

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص

كاريكاتير

بدون عنوان