أعني بالايديولوجيا هنا العقيدة الفكرية أو السياسية.
لا تعبر الايديوجيا عن الواقع وإنما عن النظرية، وتعيد تكييف وتفسير واختيار نماذج الواقع التي تؤكد النظرية/العقيدة وتتجاهل الوقائع المتناقضة مع العقيدة.
لم يهتم الفكر العربي بدراسة الواقع وفهمه وتحليله باستخدام أدوات العلوم الاجتماعية والإنسانية.
وكان المفكر العربي ينطلق من الايديولوجيا لا من الواقع.
وسواء تحدثنا عن الماركسيين أو القوميين أو الاسلاميين العرب لا نجد غير المطارحات الأيديولوجية والتفكير الأيديولوجي.
ورغم أن وظيفة الفكر تفسير الواقع وتوضيحه، صارت وظيفة الفكر العربي حجب الواقع وعرقلة تكوين فهم علمي عنه.
بدأ الخروج من دائرة الفكر الأيديولوجي على يد العقلانيين النقديين العرب.. صادق جلال العظم في "نقد الفكر الديني " ومحمد عابد الجابري في "نقد العقل العربي" و فؤاد زكريا في "خطاب إلى العقل العربي" وجورج طرابيشي في "هرطقات" ومحمد اركون في "نقد العقل الإسلامي" ونصر ابو زيد في "نقد الخطاب الديني" وادونيس في "الثابت والمتحول".
كانت هذه الأسماء منتمية إلى  ايديولوجيات معينة ما لبثوا أن خرجوا منها، وأسسوا  أولى محاولات الخروج بالفكر العربي من "الايديولوجيا" إلى "الابتسمولوجيا".
أكثر كلمتين تكررتا في طروحات العقلانيين النقديين العرب هما "العقل" و "النقد".
بدأت الحركة بنقد الفكر عند العظم، ووصلت قمتها في نقد العقل عند الجابري.
ولا شك أن الخروج النهائي الفكر العربي من سجن الايديولوجيا يتطلب الاستمرار في تطوير أطروحات هذه المدرسة.
فإلى إلى مدى نستطيع القول ان هناك أبناء فكريين للجابري والعظم وزكريا وطرابيشي .. أم انهم سيكونون فلاسفة بلا نسل فكري كما حدث مع ابن رشد، اخر ممثل للعقل في العالم الإسلامي، قبل ثمانية قرون؟!