خراب المحاصصة السياسية
الساعة 11:25 صباحاً

تفشل محاولتنا في استعادة الدولة , بسبب منهج  المحاصصة السياسية , والنوايا المخفية لقوى المحاصصة , التي تقبل تلك المحاصصة لهدف في نفسها ,و نقل حالة الصراع إلى داخل مؤسسات الدولة , والسيطرة على مصدر القرار والاختيار.

المحاصصة سيف ذو حدين , حده الصادق هو التوافق على بناء أسس وأركان الدولة ومؤسساتها , وتهيئة المناخ لشراكة حقيقية , وتسوية الملعب السياسي لتنافس ديمقراطي لعمل جاد وصادق للبناء والتنمية , في وطني جامع , يحفظ السيادة والإرادة , يرعى حقوق المواطن والوطن , ويحقق تطلعات الامة .

عقد صفقات محاصصة تفتقد للمصداقية , ما يعلن شيء وما ينفذ شيئا اخر , ما هي الا مؤامرة تشكل خطر على وحدة المجتمع ومستقبل الدولة , تشرعن للمشاريع المرفوضة شعبيا ووطنيا , وتشرعن لحالة التخلف والفساد , الذي يبدأ بالاستحواذ على السلطة والوظيفة , من خلال اختيار المسؤول الغير مناسب في المكان المناسب , وخاصة عندما تكون قوى المحاصصة ليست قوى سياسية وطنية , وليست أحزاب فكرية , تحمل مشروع فكري نهضوي , بل تكتلات لمشاريع صغيرة , تتخندق مناطقيا وطائفيا , وتفتقد للقرار المؤسسي , والتنافس المهني في الاختيار وفق الكفاءات , يغلب على اختيارها قرار الزعيم وميوله المناطقي او الطائفي او الايدلوجي , ورغبته في الاحتماء بما يناصره مناطقيا وايدلوجيا  .

المحاصصة بين قوى متناحرة , تفتقد للوعي الوطني والإنساني , ويغلب عليها الأنا والأنانية , تخوض معارك سلبية في النكف والنكاية , هي كارثة بحد ذاتها , تصنع لنا مؤسسات فاشلة يديرها متخلفون لا يفقهون شيئا عن تلك المؤسسات ودورها في نهضة المجتمع والوطن , يتحولون لمجرد سماسرة في سوق النخاسة .

ماذا تتوقع من وزير وصل لهذه الوزارة عن طريق المحاصصة , وتربع كرسي الوزارة , وهو يجهل المسؤولية الملقاة على عاتقه , يرى نفسه قزم في مؤسسة فيها من الكفاءات والمؤهلات والمهنية التي تفوق قدراته واستيعابه , ويبقى مرعوبا , ويبدأ بالتفكير بحماية نفسه , بنفس أسلوب اختياره للوزارة , يأتي بالمقربين , والأنصار , وزملاء السمسرة , ويتخلص بالتدريج من الكفاءات والمؤهلات التي يرى نفسه أمامها قزم , وهذا ما نراه في كل محاصصة تحدث في بلدي , ندمر فيها مؤسسات دولة ومرتكزاتها الاقتصادية , ماذا سيقدم لنا طبيب في إدارة مؤسسة اقتصادية , ومهندس يدير مؤسسة طبية , لا نضع الرجل المناسب في المكان المناسب , ونعيد  تدوير النفايات الوظيفية , والفاسدين والمفسدين , لنفشل مؤسسات ناجحة , بنكف سياسي ونكاية , وعذر اقبح من ذنب .

كل ذلك هو انعكاس حقيقي لسلطة مبنية على المحاصصة , يتنافس فيها نفوذ فساد الأمس مع فساد اليوم , على تضييق الخناق على مناطق التنوير , ومصادر الكفاءات والمهارات , محاصصة تغيب العقول , وتغيب عدن الرائدة , فتتحول بوصلة الريادة لمناطق الجهل والتخلف والعصبية والفساد .

والنتيجة  وزارة فيها تزاوج واضح بين السلطة والثروة , يجد الوزير فيها فرصته للإثراء وكسب مال الحرام , في تسابق من يجمع أكبر قدر من أموال الحرام , في غياب واضح للمحاسبة والرقابة والعقاب والثواب , في دولة يتنافس عليها مجموعة من الفاسدين , ومخلفات الأنظمة البائدة , او امتداداتها من الأبناء والاشبال , المشبعين بالفساد الفكري والثقافي والروحي , ويفسدون السلطة ويفسدون الواقع والحياة .

إذا لا اصلاح ولا تقويم لواقع تحكمه المحاصصة والتقاسم , علينا ان نركز على رفض أي تقاسم مناطقي جهوي ايدلوجي عقائدي  , فذلك هو المرض الذي يدب في مجتمعنا اليمني , ويفشل كل محاولاتنا في إيجاد سلطة محترمة , تقاسم  يعيد إنتاج الفساد وادواته من الوزن الثقيل , و يستلمون مراكز السلطة , وبالتالي تضخيم حس الزعامة , ويعاد انتشار السموم بشكل فضيع , تعاد الأقلام المسمومة , والنفاق والطبل والمزمار , ويعاد الرقص على جثث الضحايا , واللعب فوق رؤوس الجياع والفقراء , وتبرز قوة الطمع والجشع ,  تجمع الأموال , وتسلب الفقراء قوت يومهم , وتدوس على أجسادهم النحيلة  بمبررات عدة , أهمها الترويج لوهم الأحلام والتطلعات , التي تنهار في واقع فاسد , روائح تزكم الأنوف .

أخطر ما في المحاصصة والتقاسم المناطقي والجهوي او الأيدلوجي ,انه يعزز الانقسام المجتمعي الحاد , ويعيد فرز الناس على أساس الاصطفاف , وهو ما يضعف وحدة الصف والكلمة , ويضعف الدولة , ويشرعون للتعصب .

إذا اردنا الخروج من عنق الزجاجة , علينا الخروج من دائرة التقاسم والمحاصصة , لسلطة الكفاءات والمهنية والتخصص , والتكتلات السياسية ( الأحزاب الفكرية ) التي تحمل مشاريع توحيد الامة , وتضع هم الامة فوق كل هموم الذات والجماعات والطوائف والمناطق , مشاريع أكبر من المزاج الضيق , و الانتماء الضيق , و الانتماء للجماعة , نحو الانتماء للامة.
 

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص

كاريكاتير

بدون عنوان