رأى الكاتب الفرنسي سارتر دهشة جارحة كانت تلمع في عيون الإنجليز والأمريكيين لدى وصولهم إلى باريس لتحريرها من الألمان.
ومصدر تلك الدهشة هي أنهم وجدوا الفرنسيين بعد سنوات من الاحتلال "أقل نحافة وهزالاً مما كانوا يتصوّروا"، الأثواب أنيقة، الوجوه لم تكن شاحبة بما يكفي.
وقد كتب سارتر مقالته "جمهورية الصمت" بحساسية خارقة ضد هذه الدهشة. لقد حاول من خلال هذه المقالة الرائعة أن ينقل إلى الحلفاء رسالة مفادها أن المظاهر التي شاهدوها لأول وهلة خادعة، وأن الفرنسيين عانوا كثيراً بما يفوق الوصف، وأهينوا في أعماقهم وتجرعوا الويلات تحت حكم النازي.
كان سارتر يستجمع ما لديه من موهبة للدفاع عن استحقاق الفرنسيين لعطف الحلفاء خوفاً من أن ينقلب هذا العطف إلى بُغض إذا خاب أمله: "وإنّي لأخشى أن يكونوا قد غضبوا علينا بعض الشيء لأنهم لم يجدونا متلائمين تماماً مع الصورة الكئيبة التي كوّنوها لأنفسهم عنّا مقدماً".
أفهم تماماً ما أحسّ به سارتر، وأبتسم.
لأننا نرى دهشة مشابهة لكن في عيون أخواننا اليمنيين (السعداء) في الخارج. نشعر أن بعضهم يستكثر علينا -نحن يمنيو الداخل- كوننا على قيد الحياة!
ومثلما كان يشعر الفرنسيون بأنهم منسيون، نحن أيضاً "يُخيَّل إلينا أننا المنسيون بعد هجرة كبيرة". ونفكّر أحياناً في كتابة عرائض دفاع كالتي توجَّه بها سارتر إلى الحلفاء.
كان سارتر يشعر بوجود هوّة بينهم وبين الحلفاء لا يمكن ردمها بالكلمات. أراد أن يشرح ما لا يمكن شرحه عن يأس فرنسا وعارها، عن سجون الجستابو الألماني المرعبة وعن المجاعة والأمراض والتمزق والهدوء الجنائزي في الشوارع، وكيف أن باريس "كانت تَضمُر وتتثاءب جوعاً تحت السماء الفارغة".
الأكثر قراءةً
الأكثر تعليقاً
-
سائق ينجو من الموت بأعجوبة بعد غارة أمريكية على طريق صنعاء-الحديدة!
-
"موجة بيع غير مسبوقة للعقارات في صنعاء.. هل هي مؤشر لانهيار وشيك؟"
-
"اليمن يفتح أبوابه للعالم: مطار دولي جديد يدخل الخدمة بعد عقد من التوقف"
-
"أطراف خفية تعرقل تحرير الحديدة بإشعال الفتن في الجنوب.. من المستفيد؟"
-
مراسل ل "ترامب": هل صحيح أنكم تراجعتم عن خطة إسرائيلية لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية؟.. شاهد رد الرئيس الأمريكي
-
مغتربون في ورطة.. هل يمكن لحاملي الجوازات السعودية العودة بعد السفر؟
-
"توجيهات تربك سوق الوقود في صنعاء.. والمواطنون في حالة ترقب"