عدن .. واضرار قوى
الساعة 07:55 مساءً

حقيقة يجب أن تستوعبها قوى العنف , ان ما تمتلكه من قوة مسلحة , لا يعطيها الحق أن تكون وصية على الناس .

وان الناس بمختلف أعراقهم وطوائفهم ومشاربهم السياسية والفكرية , لهم ارادتهم الحرة في الاختيار , الإفراط بالعنف لن يغير تلك الإرادة , بل يحاول فرض امر واقع , يتعارض مع إرادة بعض من الناس , ويدفعهم لمقاومة هذا الفرض , بعنف  مضاد , وبالتالي يجر المجتمع والناس لصراعات سلبية , وتناحر واقتتال , لا يحمد عقباه .

والعنف و العنف المضاد , هو قتال الامس وقتال اليوم , وسيبقى مصدر القتال حتى نعود لجادة الصواب , وندرك حق الاخر في الشراكة وحرية الاختيار , ومتى ندرك ؟ لكي تتوقف الة الحرب والاقتتال .

كان المجتمع في المدينة عدن متعايش , بكل اطيافه و أعراقه و عقائده و أيديولوجيته , مجتمع واعي مستوعب حق الآخر وواجباته وحقوقه , اليوم وبعد أكثر من حرب عبثية استهدفت تغيير الأنظمة , أحدثت ضررا في تغيير المجتمع , حتى وصلنا لما وصلنا إليه , من حرب السيطرة والتمكين على المدينة عدن , ومن حينها فقدت المدينة عدن الكثير , فقدت خصوصيتها , كرائدة ( سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا ), فقدت أهميتها كأكبر مدينة اقتصادية وتجارية في المنطقة , وثاني ميناء عالمي , فقدت روحها المدني , و تحولت لثكنات عسكرية , مختلفة الولاء ,و متباينة المصالح والأهداف , دمرت ثقافة النظام والقانون , وارست ثقافة الاستئثار بالسلطة والثروة لفئة دون غيرها , تسلط العقل الغير مدني عليها , وفرض عصبيات قاتلة , ونعرات رثة , وكراهية قذرة , كل ذلك مصدره حماس غير واعي , وجيل مسحور بثورة ثورة لا إصلاح ,لازالت تذوق منها عدن ويل العنف وقواه العفنة .

هل تدرك تلك القوى ان الوحدة والانفصال , هي حاجات ومصالح , تتعلق بإرادة الناس وحقهم بالحياة الكريمة والمواطنة والديمقراطية , تستدعي تسوية الساحة السياسية , وتهيئة الظروف الموضوعية والذاتية , لتعلو إرادة الناس , ليقولوا كلمتهم الفصل في اختيار ما يناسب تطلعاتهم وآمالهم .

ومن هنا تبرز الحاجة  لترسيخ نظام عادل , تعلو فيه إرادة الشعب , أكثر من حاجتنا لصراعات عقيمة , بين الوحدة والانفصال , تثير صراعات سلبية وحروب عبثية , وتفتح ثغرات للتداخلات الخارجية , و مؤامرة الأعداء , حروب لا تبقي ولا تذر , وكلما طالت , كلما زاد حجم آثارها السلبية , وما تقوم به من تغييرات خطيرة في البنية الاجتماعية والثقافية , حيث تدمر النسيج الاجتماعي , و وشائج المحبة والتسامح والتوافق والتعايش , وتضاعف حجم التراكمات و الثارات والضغائن , وتمزق اللحمة , وتشتت الامة , وخاصة عندما يتربع سلطة العنف قوى أكثر تخلفا وعصبية , عندما تتخندق الناس مناطقيا وطائفيا وعقائديا وجهويا .

ولهذا كل حدث توافقي ,يعيد للناس امل استعادة حياتهم من مخالف العنف , و تفاؤلهم في ترسيخ فكرة الدولة , مهما كان شكلها , ضعفها او قوتها , تعطيهم أمل في إيقاف آلة الحرب , وتحييد أدوات العنف .

هناك سياج قوي من المصالح والاطماع لقوى العنف , ترفض الاستسلام للتوافق والاتفاق على ترسيخ شكل من أشكال الدولة , خوفا من إعادة تموضع الكفاءات والمؤهلات , وتسيد العقل والمنطق , ليحكم و يتحكم بمصير الأمة , ومصير وطن , وتسقط كل رهانات العنف وأدواته الرثة .

قوى العنف ترفض الاستسلام للتوافقات , وتعتبرها مؤامرة على تجريدها من حقها في السيطرة والتمكين , مهما قدمت تلك التوافقات من ضمانات ترسيخ نظام يقبل الجميع , ويعطي الحق للجميع في الشراكة , وهذا الحق لا وجود له في ذهنية قوى العنف , المسيطرة عليها الانا والانانية , وما كسبته بالقوة لن تتنازل عنه بالسلم .
 

تبقى المشكلة في كل من يساند ويدعم قوى العنف , ويعطي لها مبررات الاستمرار , وهي مبررات اطالت حالة الحرب , التي يعرف أصحابها وداعميها ان حسمها بعيد المنال , وهل يدرك هؤلاء اثارها النفسية والمادية , واثارها على حاضر ومستقبل الامة , واثارها السلبية على الوطن والتنمية وحقوق الناس ومعيشتهم وكرامتهم , والاستحقاقات العامة الخدمية والحقوقية , التي تغيب من أهداف وبرامج قوى العنف , وهي تعبث بالحياة العامة والمال العام , وتضاعف من المعاناة والأزمات , تبتز كل ما له علاقة بمعيشة الناس وحقهم في الحياة الكريمة .

 

التاريخ لا يرحم , يدون كل من يقدم تنازلات للصالح العام , وكل من يتخندق حول مصالحه , ومصالح ضيقة جهوية مناطقية طائفية مقيته , مهما علت فيها الشعارات ورفعت الرايات والبهرجة الكاذبة , تبقى النتائج على الأرض هي الشواهد , التي يدونها التاريخ , حيث ينصف الحق , ويصب لعناته على كل باطل .
 

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص

كاريكاتير

بدون عنوان