خذوا عنه مناسككم و نهج حياتكم !
الساعة 11:29 صباحاً

 

تأبّى الملأ من قريش أن يقبلوا الإسلام، و راغوا روغان الثعالب عن أن يحاوروا في نقاش موضوعي صحيح، و إنما راحوا يرددون الصرخة :"اصبروا على آلهتكم إن هذا لشيئ يراد".

   فإذا حاصرت فكرهم الآيات البينات، و فنّدت آراءهم لجؤوا إلى اللجاج قائلين :" لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون" !

   لم يتردد الملأ من قريش عن أن يستنجدوا باليهود في يثرب لدعمهم في الوقوف ضد رسالة الإسلام؛ بهدف منع عامة الناس في مكة عن أن يؤمنوا بنبي الإسلام و رسالته، فذهبوا يستفتون يهود في يثرب : أديننا خير أم دين محمد؟

   فردعليهم اليهود : بل دينكم خير من دين محمد !! فسفّه القرآن ردهم و لعنهم :" ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا * أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا".

   مضت الصرخة تتردد في جنبات مكة : اصبروا على آلهتكم ! و ذهب اليهود يعينونهم على ضلالهم بالإشادة بباطلهم ؛ ما ظن معه مشركو قريش أن بمقدورهم منع الضياء عن أن ينتشر، و حبس النور عن الانطلاق.

   و ماتزال صرخة قريش تطفو بين حين وآخر من دهاليز الظلام، و مايزال اليهود يمدونهم بالغي و الضلال..!!

   و فيما قريش تستنفر خيلها و رجلها، و تحشد كل أدواتها  و طاقاتها، كان محمد يمضي في أوساطهم مبشرا و منذرا ، و " داعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا" غير عابئ بصرخة قريش،  و لا مكترث بأباطيل و مكر يهود.

   فضاقت ظلامية قريش ذرعا بنور محمد و رسالته ، ففكرت و قدرت، و نظرت بعبوس و بسر ؛ كيف تنهي انتشار هذا الضياء و النور؟ فلا الصرخة حققت لهم نتيجة، و لا مساندة يهود أعطت مخرجا .

 

   فقادها شيطانها إلى دار الندوة لاتخاذ قرار حاسم يقضي بإطفاء الضياء، و إخماد النور . و بين مقترحات الحبس لمحمد(ص) أو النفي أو القتل، اختار الملأ من قريش القتل.

   لكن الله حفظ نبيه، و أمره بالهجرة إلى المدينة المنورة . وثارت ثائرة قريش ، فقد أفشلت الهجرة مخططها الإبليسي اللعين. بذلت قريش ما بوسعها لتنفيذ جريمتها، حيث بثت شياطينها في كل الطرق و الدروب، لكن هيهات ..مضى الركب المهاجر سالما إلى غايته.

   وكانت أيام و كفاح، بعد الهجرة، و كان تاريخ و جهاد، حتى جاء اليوم الذي عاد فيه الركب المهاجر مكة فاتحا منتصرا .. و استمر الركب على نهجه، في طاهرة السير،  و شموخ المبدأ؛ حتى جاء اليوم الذي أذّن فيه محمد صلى الله عليه و سلم للحج؛ ليؤدي الفريضة؛ و ليعطي خطاب الوداع.

   و لم تشهد جزيرة العرب ركبا أطهر و لاأعظم و لا أنقى من هذا الركب الذي مضى قائده محمد عليه الصلاة والسلام صفا تقيا، كان فيه السابقون الأولون من المهاجرين و الأنصار.. و كان فيه من ناصبه العدا حينا من الزمن قبل أن يأتي مسلما ، نادما على ما فرط .

   و على صعيد عرفات وقف مخاطبا الحاضر و المستقبل : أيها الناس اسمعوا قولي فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبدا..!!

   يالها من كلمات تذيبك عاطفة و خشوعا..!! إذا كانت تُشعِر من يقرؤها الآن بعد 1433 عاما بهذا الشعور العاطفي الفياض، فكيف بمن سمعها حاضرا عيانا !؟

   و عند نهاية الخطاب المودع؛ "و أنتم تسألون عني، فماذا أنتم قائلون؟ قالوا : نشهد أنك أديت و بلغت و نصحت ، قال : اللهم فاشهد !

  و نحن أيضا نشهد ياسيدي يارسول الله ؛ بأنك بلغت الرسالة ، و أديت الأمانة، و نصحت للأمة.

   و من مطلع البداية لخطوات قائد الركب المبارك، حيث كان الرفض و المواجهة الضارية ( اصبروا على آلهتكم) مرورا بالكفاح و الجهاد: يا خيل الله اركبي، يطالعنا انتصار النهاية؛ زمن الفجر الذي أضاء ، و الإشراق الذي انتشر، و أنتم تُسْألوني عني .." قالوا : نشهد أنك بلغت و أديت.

   و لكن .. لم يأت الفجر عفويا، و لا عمّ الإشراق تلقائيا.. و لكنه الصبر و المصابرة،  و الجهاد و المثابرة .. تلك هي الطريق أبدا ، لمن أراد أن يبلغ الغاية ( ولينصرن الله من ينصره)

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص

كاريكاتير

بدون عنوان