تأبّى الملأ من قريش أن يقبلوا الإسلام، و راغوا روغان الثعالب عن أن يحاوروا في نقاش موضوعي صحيح، و إنما راحوا يرددون الصرخة :"اصبروا على آلهتكم إن هذا لشيئ يراد".
فإذا حاصرت فكرهم الآيات البينات، و فنّدت آراءهم لجؤوا إلى اللجاج قائلين :" لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون" !
لم يتردد الملأ من قريش عن أن يستنجدوا باليهود في يثرب لدعمهم في الوقوف ضد رسالة الإسلام؛ بهدف منع عامة الناس في مكة عن أن يؤمنوا بنبي الإسلام و رسالته، فذهبوا يستفتون يهود في يثرب : أديننا خير أم دين محمد؟
فردعليهم اليهود : بل دينكم خير من دين محمد !! فسفّه القرآن ردهم و لعنهم :" ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا * أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا".
مضت الصرخة تتردد في جنبات مكة : اصبروا على آلهتكم ! و ذهب اليهود يعينونهم على ضلالهم بالإشادة بباطلهم ؛ ما ظن معه مشركو قريش أن بمقدورهم منع الضياء عن أن ينتشر، و حبس النور عن الانطلاق.
و ماتزال صرخة قريش تطفو بين حين وآخر من دهاليز الظلام، و مايزال اليهود يمدونهم بالغي و الضلال..!!
و فيما قريش تستنفر خيلها و رجلها، و تحشد كل أدواتها و طاقاتها، كان محمد يمضي في أوساطهم مبشرا و منذرا ، و " داعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا" غير عابئ بصرخة قريش، و لا مكترث بأباطيل و مكر يهود.
فضاقت ظلامية قريش ذرعا بنور محمد و رسالته ، ففكرت و قدرت، و نظرت بعبوس و بسر ؛ كيف تنهي انتشار هذا الضياء و النور؟ فلا الصرخة حققت لهم نتيجة، و لا مساندة يهود أعطت مخرجا .
فقادها شيطانها إلى دار الندوة لاتخاذ قرار حاسم يقضي بإطفاء الضياء، و إخماد النور . و بين مقترحات الحبس لمحمد(ص) أو النفي أو القتل، اختار الملأ من قريش القتل.
لكن الله حفظ نبيه، و أمره بالهجرة إلى المدينة المنورة . وثارت ثائرة قريش ، فقد أفشلت الهجرة مخططها الإبليسي اللعين. بذلت قريش ما بوسعها لتنفيذ جريمتها، حيث بثت شياطينها في كل الطرق و الدروب، لكن هيهات ..مضى الركب المهاجر سالما إلى غايته.
وكانت أيام و كفاح، بعد الهجرة، و كان تاريخ و جهاد، حتى جاء اليوم الذي عاد فيه الركب المهاجر مكة فاتحا منتصرا .. و استمر الركب على نهجه، في طاهرة السير، و شموخ المبدأ؛ حتى جاء اليوم الذي أذّن فيه محمد صلى الله عليه و سلم للحج؛ ليؤدي الفريضة؛ و ليعطي خطاب الوداع.
و لم تشهد جزيرة العرب ركبا أطهر و لاأعظم و لا أنقى من هذا الركب الذي مضى قائده محمد عليه الصلاة والسلام صفا تقيا، كان فيه السابقون الأولون من المهاجرين و الأنصار.. و كان فيه من ناصبه العدا حينا من الزمن قبل أن يأتي مسلما ، نادما على ما فرط .
و على صعيد عرفات وقف مخاطبا الحاضر و المستقبل : أيها الناس اسمعوا قولي فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبدا..!!
يالها من كلمات تذيبك عاطفة و خشوعا..!! إذا كانت تُشعِر من يقرؤها الآن بعد 1433 عاما بهذا الشعور العاطفي الفياض، فكيف بمن سمعها حاضرا عيانا !؟
و عند نهاية الخطاب المودع؛ "و أنتم تسألون عني، فماذا أنتم قائلون؟ قالوا : نشهد أنك أديت و بلغت و نصحت ، قال : اللهم فاشهد !
و نحن أيضا نشهد ياسيدي يارسول الله ؛ بأنك بلغت الرسالة ، و أديت الأمانة، و نصحت للأمة.
و من مطلع البداية لخطوات قائد الركب المبارك، حيث كان الرفض و المواجهة الضارية ( اصبروا على آلهتكم) مرورا بالكفاح و الجهاد: يا خيل الله اركبي، يطالعنا انتصار النهاية؛ زمن الفجر الذي أضاء ، و الإشراق الذي انتشر، و أنتم تُسْألوني عني .." قالوا : نشهد أنك بلغت و أديت.
و لكن .. لم يأت الفجر عفويا، و لا عمّ الإشراق تلقائيا.. و لكنه الصبر و المصابرة، و الجهاد و المثابرة .. تلك هي الطريق أبدا ، لمن أراد أن يبلغ الغاية ( ولينصرن الله من ينصره)
الأكثر قراءةً
الأكثر تعليقاً
-
سائق ينجو من الموت بأعجوبة بعد غارة أمريكية على طريق صنعاء-الحديدة!
-
"موجة بيع غير مسبوقة للعقارات في صنعاء.. هل هي مؤشر لانهيار وشيك؟"
-
"اليمن يفتح أبوابه للعالم: مطار دولي جديد يدخل الخدمة بعد عقد من التوقف"
-
"أطراف خفية تعرقل تحرير الحديدة بإشعال الفتن في الجنوب.. من المستفيد؟"
-
مراسل ل "ترامب": هل صحيح أنكم تراجعتم عن خطة إسرائيلية لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية؟.. شاهد رد الرئيس الأمريكي
-
مغتربون في ورطة.. هل يمكن لحاملي الجوازات السعودية العودة بعد السفر؟
-
"توجيهات تربك سوق الوقود في صنعاء.. والمواطنون في حالة ترقب"