شاعر البطيخ
الساعة 07:45 مساءً

بمعيار بدائي، بدائي فقط؛ يمكن القول: إن الجنيد شاعر، ويمكنك أن تضيف: لقد كان شاعر في أطواره الأولى يتغزّل بحبيبته وينثر عواطفه السائلة ولا حرج عليه. لكنك ستكون عرضة لسخط الرب فيما لو تجرأت وقلت بلغة مطلقة : إنه شاعر مكتمل ولا نقاش في هذا. هنا سيكون عليك تهيئة نفسك للعقاب، للسخرية وستكون جديرًا بالشتيمة أيضًا.

ما هو الشعر..؟ الشعر بمفهومه العالي، كلغة لكشف الوجود وتهيئة الأرض للأسرار الكونية الجديدة. "ما يبقى يؤسسه الشعراء " يقول هايدغر. الشعر كنافذة مع الغيب، جسر لغواية الأبدية ووعاء لتنزّل الوحي. الشعراء كورثة للأنبياء ونماذج للنبوة المؤهلة بذاتها دونما عون من الآلهة. إنهم البشر الوحيدون من يحق لهم صياغة التشريعات الأساسية للوجود، المصدر الأول للمعنى، من يسهرون لاستقدام حقائق جديدة للوجود. هل في شعر الجنيد ما يتضمن شيء من هذا القبس الخالد..؟ هل فيه شرارة من علوم الجن أو لمسة من بيان يوحي بمعجزة في الكلام. بحكمة عابرة للزمان والمكان.

لا تحدثني عن أنه شاعر رهيب، يتلو قصائدة يحماسة ويخلب الألباب. هذا ليس معيارًا لشاعرية عالية، بهذا المستوى هو شاعر بدائي يتقن البحور ويجيد قول أفكار بالية. يصبها في قوالب جاهزة. وإذا ما عصرت كل ما قاله منذ ميلاده حتى اليوم، لن تخرج بفكرة واحدة شاعرية وخلاقة وتنبئ عن كشف عبقري أو نباهة عالية.

كان يمكن للجنيد أن يتطور كشاعر متمكن من أدوات الشعر الأولى، كان يُحتمل أن يهتدي لتأملات جيدة وفارقة؛ تصعد بمحتوى شاعريته؛ لكنه تعرض لنكسة وجودية، جعلته ينحدر بمضامينه الشعرية ويتحول لمهرج فصيح. مزمار يطلق صفارته ويذود عن رؤية قبيلة تنتمي لزمن ما قبل ميلاد الإنسان.

الفصل في شاعرية الرجل من عدمها، يعود لمعيارك الشعري، يمكنك أن تمنحه مقعدًا في ميدان الشعر إذا كان تصورك الفلسفي لماهية الشعر يتقبل وجود شاعر كالجنيد ولا يكترث لجوهر ما يقوله. ستقول عنه شاعر. الأمر ليس اتباع معيار قيمي أو سياسي للاعتراف بالرجل أو تجريده من قيمته الشاعرية؛ لكن المقصد أننا حتى لو تجاوزنا صبغته الأيديولوجية وانحيازه السياسي الملوث، فالرجل خفيض جدا في مستواه الشاعري. ولو عزلت قصائدة عن مؤثرات الصوت، واتبعت وصية نيتشه لتجريد شعره من الايقاع، ومعاينة فحواه بشكل مجرد؛ ستشعر بالرعب من تلاشيه وانتفاء أي قيمة لشعره.

عندها؛ سينتهي بك الحال أن تمنحه مقعدًا في ذيل القائمة وربما تعاود النظر مرة ثانية وتقول في نفسك: هذا الرجل لم يضف للحياة قصيدة واحدة جديرة بالخلود. قصيدة تصلح أن تقف أمام حشد من البشر من مختلف مناطق الدنيا؛ كي تتلوها عليهم ثم تقول لهم هذه قصيدة لشاعر يمني ولا تشعر بالخوف منهم والخجل من نفسك. لا وجود لقصيدة عابرة للزمن في شعر الرجل، ولو جربت أن تلقي قصيدة له أمام بشر يقدسون الكلام، لربما تتفاجئ حين يقذفوك بالأحذية ويطردوك من أمامهم شر طردة. ولسوف ت ل ع ن اليوم الذي عرفته فيه أو قرأت شعره.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص

كاريكاتير

بدون عنوان