دردشة حول المؤتمر الشعبي العام
الساعة 07:01 صباحاً

للمؤتمر الشعبي العام دور بارز وإسهام ملموس في تعمير اليمن، بعد فترة التدمير والتجهيل الإمامية. وأسهم بفاعلية في إعادة توحيد اليمن مع شريكه الحزب الاشتراكي اليمني. كما عمل على ترسيخ قيم العدالة والمساواة، ونبذ العنصرية والمناطقية والمذهبية في البلاد. وهو الحزب الذي نبت من الأرض اليمنية، واستوعب كل شرائح المجتمع اليمني فيه وفي مؤسسات الدولة دون قيود مناطقية أو مذهبية أو طائفية. ونسج علاقات متوازنة مع دول العالم. وبالمقابل لم يخلو الأمر من حدوث فساد وأخطاء وتجاوزات ومحسوبيات أثناء إدارته للدولة،

في فترة ما قبل 2011. بسبب ما حدث في 2011 تعرض المؤتمر لهزة عنيفة، أفقدته توازنه، وتسببت في حدوث انهيارات رأسية وأفقية في توجهاته السياسية وفي تماسك قياداته وكوادره. وللأسف ففي خلال الفترة من 2011 وحتى 2015، خرج عن مساره المعتاد، وعن سكته الوطنية التي كان يسير عليها، بدافع الانتقام الشخصي لما حدث له في 2011، مُغلبًا مصالحه على مصالح اليمن العليا، الأمر الذي تسبب له بهزة زلزالية جديدة؛ تسببت في حدوث شرخ كبير في بنيته الأساسية، وتركيبته الشعبية.

نتج عن ذلك الحدث عدة مسارات، فمسار سلكه بعض قياداته، فذهبوا خلف التوجهات الجديدة لرئيسه الشهيد علي عبدالله صالح (رحمه الله)، والتي كان أسوأها مهادنة ميليشيا الإمامة الإيرانية ضد الدولة، وشرعنة جرائمها، وتبرير حربها ضد المواطن اليمني، وضد دول الجوار. بينما سلك قسم آخر مسار الرئيس عبدربه منصور هادي، لاستعادة الدولة، بدعم التحالف العربي بقيادة الرياض،القسم الأكبر هاجر إلى مصر وإلى دول أخرى، حاملًا معه همه وجراحه، وآثر الصمت والحياد،وقسم استقر به الحال في مسقط عُمان، وبالتالي تعددت ولاءات ومواقف قياداته، وقاعدته الشعبية، وقناعاته حيال ما جرى لليمن.

بعد الانتفاضة الوطنية في ديسمبر 2017 المباركة، عاد الحزب بقيادة الشهيد علي عبدالله صالح إلى الخط الوطني، مُغلبًا ومُقدمًا مصالح اليمن العليا على مصالح ودماء قياداته وممتلكاتهم، فحدثت انهيارات جديدة، من قمة الحزب وحتى قاعدته؛ أسفرت عن تعيين قيادة جديدة للحزب في صنعاء، بمباركة الميليشيا السلالية. برئاسة الشيخ صادق أمين أبو رأس، والشيخ يحيى الراعي، وللأسف رضوا لأنفسهم أن يسخروا من تاريخ الحزب ونضالهم الوطني لمجرد واجهة تجميلية جديدة للميليشيا، ومشرعنة للإمامة الجديدة التابعة لإيران دون مقابل سياسي أو داع أخلاقي، ومع أنهم في سجن الميليشيا الكبير، إلا أنه لا عذر لهم، مهما برروا.

أما قيادات الخارج، خصوصًا المؤيدة للشرعية في الرياض ومصر، فلم يتفقوا على تنصيب رئيس الدولة آنذاك عبدربه، لرئاسة الحزب، كما ينص نظامه الداخلي؛ بسبب صراعهم على مواقع الحزب القيادية الأخرى، وبسبب عدم حيازتهم دعم غالبية القيادات في الخارج، وخوفًا من حدوث انهيار جديد؛ يفقد المؤتمر نقطة توازنه الأخيرة.

بعد خروج الرئيس هادي من السلطة، عادت فكرة إعادة ترتيب المؤتمر من جديد؛ فكان المقترح تنصيب الرئيس رشاد العليمي رئيسًا له، على أن تتوزع بقية المناصب القيادية لبقية القيادات الفاعلة الأخرى، إلا أن الخلاف ما زال قائمًا حول الأمر، وحول توجهات قياداته السياسية وتنافرها، فالجميع يعلم أنهم في مسارات سياسية متعددة، وهنا المشكلة. والحقيقة أن الأحداث العنيفة التي هزت اليمن، والتي بدأت في 2011، أحدثت شروخًا كبيرة في كل الأحزاب وليس في بُنية المؤتمر فحسب، وغيرت وخلقت قناعات وتوجهات جديدة داخل كل حزب سياسي.

كما أنه ومنذ تلك الفترة إلى يومنا هذا، نشأ جيل جديد؛ صار له وجود وحضور وتأثير في الساحة السياسية لليمن، وهو خارج معادلات وحسابات كل الأحزاب السياسية الوطنية حتى الآن.

الخلاصة: كثير من أبناء اليمن، ومن المهتمين باستقرار بلادنا من الأشقاء في المنطقة، وحتى من دول كثيرة في العالم، جميعهم يعول على نهوض المؤتمر من جديد في الفترة المقبلة، نظرًا لتحرره من أدران الأيديولوجيات الدينية وترسبات المناطقية، خصوصًا أن له خبرة في الإدارة، والقبول بالآخر، ونهجه المتسامح مع الخصوم.

السؤال: هل ما زال المؤتمر حزبًا أم أنه صار أحزابًا متعددة، بتوجهات سياسية ومناطقية مختلفة؟

حسب تحليلي، أن المؤتمر لم يعد حزبًا بالمعنى المعروف، فقد طغت عليه خلافات قياداته السياسية ومصالحهم وتوجهات المناطقية، والتي من الصعوبة بمكان عودتهم إلى مسار واحد، بقيادة واحدة، وببرنامج سياسي واحد. وفي هذا الوضع والحال والمقام هناك عدة مقترحات لهذا الوضع:

1. الواجب الوطني يحتم على قيادات المؤتمر إما التوحد السريع تحت قيادة ورئاسة الرئيس الدكتور رشاد العليمي، ونائب له من الجنوب، على أن يكون السفير أحمد علي عبدالله صالح أمينًا عامًا له، وبقيادة جماعية من 10 أعضاء من اللجنة العامة، لتسيير أعمال الحزب خلال فترة انتقالية، تنتهي بعودة الدولة وعودة الحياة السياسية والحزبية من جديد، ثم دعوة المؤتمر العام للحزب، وانتخاب قيادة جديدة له، كما تنص لوائحه.

. أو المسارعة لتأسيس حزب جديد بمبادئ الميثاق الوطني نفسها، للم كوادره وحمايتهم من الضياع والتشرد والرحيل والهجرة إلى أحزاب أخرى، وهذه فرصة لكوادر المؤتمر لاختيار قيادتهم التي يثقون بها. وعندها ستظهر شعبية ووزن كل قيادي من الحزب. وبهذا سيتخلصون من عبء شرعنة مؤتمر صنعاء لأعداء اليمن في الداخل، والتخلص من قراراته المؤيدة للميليشيا السلالية ضد مصالح اليمن، وإنهاء حالة التشرذم الحالية؛ التي يعاني منها الحزب.

3. هناك حل ثالث، فأرى أن طارق محمد يمكن له أن يوسع مكتبه السياسي الحالي ليُصبح حاملًا سياسيًا جديدًا، ليحتوي المؤتمر ويجتذب الجيل الجديد، والكتلة السياسية التي صارت خارج الأحزاب بفعل الزلازل التي أصابت الجميع منذ 2011م. فهو صقر المؤتمر الذي تمكن من مغادرة صنعاء بملابسه التي عليه، ليتمكن خلال فترة وجيزة من بناء جبهة عسكرية وسياسية مؤثرة في الساحل الغربي، تمكن بهما من الوصول إلى رأس السلطة، بعد أن منّ عليه خصومه بمنصب قائد حراسة عمه الشهيد في فترة صراع 2011.

تجميد عمل قيادات المؤتمر في صنعاء، وتوحيد قياداته في الخارج، أو تأسيس حزب جديد، أو الانضمام إلى مكتب طارق السياسي، وتحويله لحزب سياسي؛ هي المسارات التي يمكن لها أن تعيد القوة والفاعلية والتأثير للمؤتمر الشعبي العام. وأمام المؤتمر الحالي أو القادم، مهام وطنية كثيرة، أولها إطلاق عملية مصالحة مع كل القوى السياسية في الساحة، لمعالجة تصدعات وآثار ما حدث لليمن خلال الفترات الماضية. والتي صبت لصالح الميليشيات المذهبية والطائفية السلالية المحسوبة على إيران ومشروعها التوسعي في المنطقة. حتى نتمكن في الأخير من بناء جبهة وطنية عريضة، تُعيد الأمن والاستقرار لليمن، وتعيده إلى مساره العربي، وتقضي على المشاريع الطائفية والمذهبية والمناطقية، وتنقذه من السقوط في وحل الهويات المصادمة لحضارته المعروفة.

* نقلا عن جريدة الوطن السعودية

 

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص

كاريكاتير

بدون عنوان