على نفسها جنت “الشرعية”!
الساعة 02:37 صباحاً


  في البلدان التي شهدت حروب وصراعات وانقلابات، كانت الأمم المتحدة؛ ولا تزال، تتعامل بطريقة لا تعبر عنها كأمم متحدة ولا تليق بها كمنظمة أممية تمثل تنفيذ القوانين الدولية، فهي نظريا تدعي الوقوف مع خيارات الشعوب وتقول إنها تقف مع الحكومات المنتخبة والشرعية لكن نتائج أفعالها تؤكد العكس تماما، حيث المستفيد من تحركاتها القوى المعادية للشعوب والأنظمة القمعية المنقلبة على السلطات والمليشيات المتمردة على الدول، ونظرة سريعة في خارطة العالم؛ خصوصا الدول العربية والإسلامية، سنجد هذه الحقيقة ماثلة للعيان، ولا تحتاج لكثير من الأدلة.

ففي ليبيا تعترف الدول التي تدير الأمم المتحدة بالسلطة الشرعية، لكنها تتعامل مع قوات حفتر المتمردة، بل إن تقارير المنظمات الدولية تصف قوات حفتر بالجيش الوطني والقوات التابعة للحكومة بالمليشيا، والأمر لا يختلف كثيرا في اليمن، مع فارق في التوصيف، لكن عمليا على الأرض تقوم الأمم المتحدة بتسوية أرضية الملعب السياسي لصالح تمكين المليشيات المحلية؛ وفي المقدمة منها مليشيا الحوثي، وهذا ما أثبتته وقائع الشهور الماضية، حيث رعت الأمم المتحدة بشكل علني شرعنة إدارة مليشيا الحوثي لموانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى، وبرعاية دبلوماسية من بريطانيا، وصمت من واشنطن، وتخاذل الرياض.

لقد شاركت الأمم المتحدة في تنفيذ مسرحية واضحة، حيث رأي العالم قوات خفَر السواحل الحوثية تتسلّم بصورة كاريكاتيرية إدارة الموانئ، لتقوم الأمم المتحدة بتسويق ما حدث بأنه تنفيذ لاتفاق إعادة الإنتشار الذي نص عليه اتفاق الحديدة، كجزء من اتفاق ستوكهولم، والأدهى أن المبعوث الدولي مارتن غريفيث قدم هذا الفعل الأممي المشين كإنجاز أممي خلال إحاطته الأخيرة لمجلس الأمن.

ما الذي يحدث في اليمن؟  وما هي نتائج تدخل الأمم المتحدة؟،  لقد مثلّت الأمم المتحدة المحلل الشرعي لكل أفعال الحوثي والغطاء الأمني لكل جرائمه، فكل ما أخذته مليشيا الحوثي بقوة السلاح تم تثبيته من قبل الأمم المتحدة بقوة المفاوضات، ابتداء من سقوط صنعاء وليس انتهاء بموانئ الحديدة، فالمفاوضات لم تكن سوى مجرد شرعنة لكل ما تفعله المليشيا في كل محافظات اليمن.

القصة باختصار ليس لها علاقة بنظرية المؤامرات، بل لها علاقة بفهم سياسة المنظمة الدولية التي لا تحيد عن رغبة القوى الكبري، فالأمم المتحدة، لا تتعامل إلا مع سلطات الأمر الواقع، والدول الكبرى لا تؤمن إلا بالأقوى على الأرض، وهذا ما فهمته مليشيا الحوثي ومن خلفها إيران، وما تغافلت عنه الشرعية ومن خلفها التحالف، لقد مضت المليشيا في تنفيذ جرائمها وتحديها للعالم غير آبهة بكل صيغ التهديد الاقليمي والوعيد العالمي، لأنها تدرك أن هذا العالم المندد لن يتفاوض إلا مع من يتحكم بجغرافيا الأرض، ولذا ظلت النتائج تحصد لصالحها.

وفي النتيجة فإن الشرعية هي من تتحمل نتائج ما حدث وما سيحدث، ليس فقط لأن كل قوانين العالم معها وكل دول العالم معترفة بها، ولا لأن كل مرجعيات التفاوض تؤمن بها كسلطة شرعية، بل لأنها أهدرت كل فرص هزيمتها لمليشيا الحوثي، وهي فرص عسكرية وسياسية ودبلوماسية، وهي ما جعلت الشرعية ضعيفة أمام العالم؛ رغم توفر كل عوامل القوة بيدها، والعالم لا يحترم الضعيف.

لقد رهنت الشرعية كل عوامل قوتها وأسباب تفوقها بيد الرياض وأبوظبي، وقدمت نفسها العالم كتابع للسعودية وملحق من ملحقاتها، والعالم يتعامل مع الشرعية كما قدمت نفسها، ينظر للمناطق المحررة فلا يجد سوى مليشيات تتحكم بكل شيء، ويبحث في العاصمة المؤقتة فلا يجد سلطة هادي، وأينما تذهب عينه لا يرى إلا الرياض وأبوظبي، وعندما يبحث عن  السلطة الشرعية يجدها نائمة في فنادق الرياض.

لقد جنت الشرعية على نفسها بنفسها، وجنت معها على كل أحلام اليمنيين التواقين لدولة ذات سيادة،  وليس من المطلوب من الشرعية أن تعادي الرياض ولا أن تشن حربا على أبوظبي، المطلوب منها أن تحترم شعبها وتتحرك كسلطة تعبر عن دولة، وتفرض أولا احترامها لنفسها لكي تلقى احترام العالم، ثم تقرر العودة لليمن، لتقود عملية النضال من أجل بناء الدولة، بغير ذلك لن تقوم الأمم المتحدة بتثبيت أحقية إدارة الحوثي على الحديدة فقط، بل في كل مكان سيطر عليه، وسيسري الأمر على بقية المليشيات في المناطق المحررة، ولن تنفعها سياسة المهادنة مع أبوظبي ولا منطق التخوفات مع الرياض، وستجد نفسها يوما ما خارج اللعبة تماما… ولن تكون “براقش” من جنت على نفسها فقط.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص

كاريكاتير

بدون عنوان