الفتح المبين
الساعة 08:39 مساءً

   في ساعة من الساعات التاريخية، التي لا تنسى؛ و لا يأتي عليها الزمن ؛ كانت في غار حراء..!!

 

   من هناك كانت اللحظات الأولى لوهج النور الذي تلقاه محمدصلى الله عليه و سلم،و الذي سيعم العالمين بإقرأ.

 

   و ككل مشاريع الجهل الظلامية تصدت قريش بجهل فاضح لهذا النور الوهّاج تريد إطفاءه:(لا تسمعوا لهذا القرآن). غير أن النور لا يُحْبس، و لا يمكن إطفاءه، فالفجر يبدأ شعاعا يتعالى، يستعصى على الجموع التي تتداعى لإخماد وهجه، و إطفاء نوره؛ فتفني قواها و لا يدري بها القمر !

 

   سنين أمضتها قريش تحت راية البغي تصد من آمن، و تنفخ في وجه الفجر، منافحة عن أصنام، و مدافعة عن جهالة عمياء تريد استمرار فرضها لتمنع بها فجرا ينتشر ضياؤه، و صباحا يتوهج نوره.

 

   البغي لا يدخر جهدا في مناصرة باطله، و هكذا فعلت قريش و هي تتصدى لرسالة إقرأ، و قريش نموذج يتكررُ بِغَيّهِ و جهله و سفهه، و بنفسية ذلك الإنسان؛ و إن تغير لباسه و دثاره.

 

   مَضَيَا في مكة البغي و الجهل يتنمّران، و يتذامران: لن نتراجع في التصدي لمحمد و رسالته، حتى تعزف علينا القيان، و تقرع الطبول، و تدار الكؤوس،و حتى تسمع بنا الدنيا،و تظل تهابنا أبد الدهر.

 

   عزفت القيان على أنغام البغي و بحروف الجهل، و ديرت كؤوس اللهو، و استعانوا بإرجاف يهود للتضليل(أنتم أهدى من الذين آمنوا سبيلا) !

 

   تمادت قريش في غيها و بغيها، لكن وهج النور مضى بثبات يكشف زيف الغي، و يُعرّي قبائح البغي، و يفضح غباء الجهل.

 

   غدا نور إقرأ، أفراد يمشون في شعاب مكة المكرمة، ينتصرون للمبدأ، و ينشرون النور.

 

   نعم ، ضاق بغي قريش و جهلها، بمن كانوا في قلب مكة يسعون، فقمَعت بوحشية، و بطشَت بقوة، و ما أدركت أنها ببغيها ذاك تصقل التجربة، و تُحفّز للانتصار للمبدأ(  إقض ما أنت قاض).

 

   ظنت قريش أنها انتصرت و هي ترى مكة تخلوا ممن كانوا يسعون بالنور في ثناياها، و ما علمت أن لنزوحهم هذا عودة ، و أن لخروجهم هذا رجوع يقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق.

 

   و كان موعد العودة فتحا مبينا، في العشرين من رمضان، من العام الثامن للهجرة، يوم تهدّم فيه الغي، و تحطم فيه البغي، و جاء نصر الله و الفتح.

 

   للكبر و الغرور نهاية، و للغطرسة و العنجهية زوال، و للكيد و المكر  انهزام، و على يد فتية آمنوا بربهم، و رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.. و الزمن يتكرر، و تتكرر معه صور الحياة البائسة التي يضع لها حدا المبدأ الحق، بفتية آمنوا بربهم،  و رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.

 

   دخل محمد صلى الله عليه و سلم مكة فاتحا منتصرا، وترنحت قريش بكبرها و بغيها و ملئها ممن أرادوا أن تعزف لهم القيان، و تدار عليهم الكؤوس، و تظل الدنيا تهابهم أبد الدهر..!!

 

   إنها الإرادة و المشيئة التي لم تستسلم لبغي الملأ من قريش، فما هان الفتية، و لا استكان الرجال، و لا ترددت النساء، جميعهم جاهدوا في الله حق جهاده، حتى أتاهم يقين النصر، و الفتح المبين .. الفتح الذي وقف عنده محمد صلى الله عليه و سلم يخاطب الملأ من قريش، من باب الكعبة:

   ما تظنون أني فاعل بكم !؟

 

   إحدى و عشرون سنة، شنها الملأ من قريش حربا ضروسا، لا هوادة فيها، و يمر في أذهانهم شريط من أفعالهم السوداء، فينبري خطيبهم، و رجل مفاوضاتهم، سهيل بن عمرو،  يتكلم عنهم:

   خيرا، أخ كريم و ابن أخ كريم..!!

 

   و من وهج ضياء النبوة، و نور الرسالة الخاتمة، يسمع الملأ من قريش- الذين قالوا له يوما: تبا لك- لا تثريب عليكم اليوم، يغفر الله لكم.. اذهبوا فأنتم الطلقاء..!!

 

   أخلاق النبوة ؛ عفو، و تسامح، و صفح جميل.

   و أخلاق الأدعياء؟ ابتزاز .. بالنسب، بزعم القرابة، بخرافات ملفقة، بكل ما لم ينزل به الله من سلطان.

 

   مأٓثر الجاهلية و تعظمها بالآباء نسفها رسول الإسلام نسفا، يوم الفتح المبين:   «يا معشر قريش، إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية، و تعظمها بالآباء، الناس من آدم و آدم من تراب:( ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكروأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ».

 

   سيأتي الفتح المبين من جديد، بفضل من الله، و بفتية آمنوا بربهم، و رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه،  و بنساء قانتات صالحات، و لينصرن الله من ينصره

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص

كاريكاتير

بدون عنوان