من شهد الشهر فليتذكر (1)
الساعة 02:28 مساءً

   بين يدي الشهر الكريم يقف المسلم على شاطئ محيط لا حد له من فيوض الرحمن(وأن تصوموا خيرا لكم)، و خير الرحمن  لا يُقاس قدرا، و لا حجما، و لا أمدا.. و إنما التي تقاس هي أعمال البشر.

 

   و مع تذكر الفضل العظيم الذي يُسْبِله الله جل و علا على عباده في هذا الشهر الكريم (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)، نتذكر في هذا الشهر  كثير من عبره، و دروسه و عظاته، و مواقف فيه.. و هي عديدة، و حسبنا أن نتذكر بعضها، فرمضان بفضل الله، ثري في عبره و فضائله إلى غير حد، و لك أن تقف عند الحديث القدسي متأملا، و متلذذا بنعمه، و مُتَعَ و لذاذات ما يحويه من جزاء غير محدود، و لا مجذوذ: "كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي، و أنا أجزي به" !

 

   إلى أين يذهب بك تفكيرك و تأملاتك عند"وأنا أجزي به"؟

 

   لن أفسد عليك تأملاتك، و لست أهلا لأجيب، و لا أظن أحدا يدعي إعطاء الإجابة المطلقة.. لكن في النفس- لدى كل مسلم- ثقة و اطمئنان و معرفة بأن هناك جزاء لا حد له. 

 

   تعالوا نتذكر:

   في العام الذي فرض فيه الصيام، كانت معركة بدر، و خرج الرسول المصطفى بـ 313 رجلا ؛ لمواجهة ألف، كان وضع المسلمين ما يشرحه هذا الدعاء  الذي دعاه الرسول صلى الله عليه وسلّم: " اللهم إنهم حفاة فاحملهم، اللهم إنهم عراة فاكسُهم، اللهم إنهم جياع فاشبعهم".

   فما منعهم ظرفهم ذاك أن يقوموا بمهمتهم، أو أن ينهضوا برسالتهم، فكانت ثمرة ذلك اليوم عطاء لايزال يؤتي أكله كل حين، تأسيا، و اقتداء، و عبرا.

 

   كانت معركة بدر أولى معارك الإسلام في مواجهة الطغيان، و استعلاء الإنسان على الإنسان، و في محاولة من يريد أن يقسر الناس قسرا على جاهلية جهلاء، و ضلالة عمياء، مع ادعاء من الطغاة أنهم على الحق المبين.

   فتعالوا نتذكر كيف انتصر 313 مسلما على ألف ممن جندهم الطغاة في بدر !؟

 

   لقد كان زادهم المادي مِيرةً و عتادا و عددا في غاية القلة، لكن زادهم الإيماني كان كبيرا، حتى قال أحدهم، و هو في قلب المعركة،و قد تناول تُميرات ليأكلهن،فسمع النبي (ص)  يقول: " قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض،فقال هذا: "لئن عشت حتى آكل هذه التميرات إنها لحياة طويلة" فقذف بهن و مضى ببسالة و إقدام فكان أحد الشهداء.

 

   أحسبك تقول: و تعال نشاهد طوفان الأقصى بإمكاناتهم المحدودة أيضا و كيف نفذوا ذلك الفعل العظيم، و وقفوا، ولايزالون يقفون الموقف الكبير، مع أن زادهم الحصار، و عتادهم متواضع، و عددهم ايضا.. لكن زادهم الإيماني راسخ و كبير، و أملهم بالله عظيم، فنحن نتذكر بدرا تاريخا، و نتذكر أبطال الطوفان حاضرا ماثلا، و مَن على طريقتهم في كل ميدان؛ يعيدونها فعالا، و ينفذونها واقعا.

 

   و يذكرن رمضان  بغزوة تبوك، أو غزوة العسرة كما سماها القرآن الكريم التي امتدت إلى جزء من شهر رمضان، و قصتها ودروسها عظيمة في نتائجها ، رائعة في مواقف جندها.

 

   ما سنتذكره منها، أنه أثناء رجوع النبي صلى الله عليه وسلّم إلى المدينة المنورة، أتاه خبر مسجد الضرار، و كان أصحاب ذلك المسجد- من المنافقين- قد أتوا النبي عليه الصلاة والسلام، و هو يتجهز إلى تبوك، فقالوا: يا رسول الله، إنا قد بنينا مسجدا لذي العِلّة و الحاجة و الليلة المطيرة و الشاتية، و إنا نحب ان تأتينا، فتصلي لنا فيه؛ فقال: إني على جَناح سفر، و حال شغل... و لو قد قدمنا إن شاء الله لأتيناكم، فصلينا لكم فيه.

   فلما كان حين عودته صلى الله عليه وسلّم و نزل بذي أوان على مشارف المدينة المنورة، و أتاه خبر المسجد، دعا مالك بن الدُّخشم و معن بن عدي.. فقال: انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله، فاهدماه و حَرِّقاه... فأتَياه و فيه أهله فحرقاه و هدماه، و تفرقوا عنه، و نزل فيهم من القرآن مانزل:(والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين

 

   أراد المنافقون أن يعطوا لمسجد ضرارهم مشروعية فدعوا النبي الكريم للصلاة فيه، فأنزل الله حين رجوع الرسول من تبوك ما عزم عليه المنافقون من وراء بناء ذلك المسجد.

 

   لاتزال منافذ و مواقع و منابر ضرار يتبناها أمثالهم لصرف الأمة عن حقيقة دينها، و جرها إلى خارج أهدافها، و بعيدا عن رسالتها.

   و يكفي أن نتأمل جيدا كيف فضح طوفان الأقصى مواقع، و إذاعات و قنوات و صحفا، و حتى مساجد، و بمجموعها مثلت موقف الضرار، حين راحت تشكك، أو تمالئ الصهاينة الغزاة، وهي ممولة بالأموال المدنسة؛ لبث الفرقة و إرصادا لمن يحارب الله و رسوله.

 

   لقد أراد المنافقون على عهد رسول الله أن ينشروا أباطيلهم و خساساتهم، و كيدهم تحت ستار مسجد يتخذون منه منطلقا لمكرهم الخبيث، فكشف الله زيغهم و نفاقهم.

 

   فلنحذر و نحذر من مواقع و قنوات و منابر، و صحف... الضلال و الضرار.

   إن  في رمضان مواقف و دروس و عبر و ذكريات، و ما أجمل أن نتذكرها و نستذكرها لأخذ العبر، و تعزيز الثبات.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص

كاريكاتير

بدون عنوان