مصطلح ظهر بقوة إبان الربيع العربي سواءً على ألسنة مناصري الانظمة التي سقط زعمائها خلال ثورات الربيع و ذلك لا كوعي لكن في محاولة لشيطنة تلك الثورات ، أو على ألسنة محللين رأوا في الربيع و الثورات تمهيداً لشرق اوسط جديد ، لم يكن ظهور المصطلح حقيقةً برأة اختراع عربية لكنه ترجمةً لمحللين غربيين .
بعد فترة من مرور الربيع و مألاته الكارثية في بعض الدول التي سببت بشكلٍ أو بأخر إنحسار الحس الثوري لدى تلك الشعوب لإن غالبها مازال يعيش ويلات ما بعد الثورة و حتي اليوم ، نجد الكثير بات مقتنع بالرأي الثاني الذي رجحه الكثير من المحللين و إن كان يختلف معه فقط بأن تلك الثورات الشعبية و العفوية حينها كانت ثورات مخطط لها من قبل مهندسين الشرق الاوسط الجديد .
في الواقع نعرف جميعاً بأن أي مخطط غربي في المنطقة و تحديداً بعد خروج الاستعمار المباشر صار يستمر الاعداد له سنين و لا نبالغ إن قلنا عقود و كمثالٍ لحقيقة ذلك ما اكدته تقارير استخباراتية امريكية بأن اجتياح العراق كان امراً معد له منذ العام 79 أي حتى قبل صعود ذريعتهم الدكتاتور صدام حسين للسلطة و اسلحته الكيماوية ، كذلك الأمر مع مخطط "شرق اوسط جديد" و هو ما يبدو أنه قد بدأ الاعداد له و قبل حتى التخطيط لإجتياح العراق، و قد بدأ الغرب تنفيذه بعد الخروج الفعلي للاستعمار المباشر ، مخطط بدأوا به لمواجهة الفكر و الوعي القومي الذي انتجته الثورات التحررية من الاستعمار المباشر ،و قد بدأت مواجهة هذا الفكر بتعزيز الفكرة القطرية لدى الدول العربية ، الفكرة التي و مع مرور السنوات قضت على الفكر القومي تماماً إلا من بقايا افكار تحملها بعض الاحزاب القومية التي مازالت تعيش خيبة ما بعد موت الزعيم جمال عبدالناصر ، في المقابل حل الفكر القطري بين الدول العربية بدلاً عن الفكر القومي و اختفت تماماً فكرة "الوحدة العربية" من الاعلام و التفكير العربي في ظل تصاعد الفكر القطري ، انقرضت فكرة الوحدة العربية حتى اصبحت مجرد درس واحد في مناهج التربية الوطنية لبعض الدول .
بعد تعالي الفكر القطري جاء اجتياح العراق للكويت فكانت الضربة القاضية للقومية العربية و لفكرة وحدة عربية بأي شكلٍ من الأشكال ، بإستثناء شبة إجماع عربي و بتمويل خليحي تم اجتياح العراق، الاجتياح الذي مهد لاحقاً الطريق أمام المخطط الجديد و هذه المرة ستنتهي حتى المشاعر و الفكرة القطرية بين فئات القطر الواحد، بعد الاجتياح سلمت امريكا العراق لايران على طبقٍ من ذهب و مكنتها من تصدير الثورة الخمينية لدول المنطقة عبر وكلائها و هنا تم إسقاط العواصم العربية الواحدة تلو الأخرى ، و في هذه المرحلة بالذات بدأ التمكين للأقليات بذريعة الاضطهاد و الإقصاء و مع رفع هذه المظلومية تلاشت تماماً الروح الوطنية و مشاعر الانتماء حتى بين ابناء القطر الواحد ، و بدأت الفكرة تتضح و بدأ مصطلح الشرق الاوسط الجديد يتكشف للغالبية في المنطقة ، الغالبية التي صارت تقتل و تهجر قسرياً من مناطقها ، و تباد بالكيماوي في مناطق عدة من سوريا، تهجير يتم بعده إحلال اقليات في مناطقها و لو بالإستعارة من دول اخرى كلبنان و ايران بل و حتى باكستان.
المحزن في المخطط أنه لم يكلف الدول المخططة شيء فتكلفته المالية تقريباً تحملتها دول الخليج أما التكلفة الدموية فكانت كارثية و مهولة وتحملتها العواصم العربية التي سقطت بيد ايران بمباركة صهيو امريكية ، ولا مبالاة خليجية بالخطر القادم .
الكل يدرك اليوم ما للمال الخليجي من دور في تفكيك و تمزيق المنطقة ، لكن ما مصير تلك الدول أي الدول الخليجية و هل ستنجو بفعلتها الغبية تلك ؟
في الحقيقة دول الخليج و بمال النفط كانت من الممكن أن تكون اكسير الحياة للمنطقة و لشبابها لكنها و للأسف أبت إلا أن يكون المال الخليجي هو النار التي ستحرق المنطقة برمتها و تحديداً دول الربيع الذي وصلها المال الخليجي بشكلٍ أو بأخر بإسثثناء تونس اولاً و السودان اخيراً و ذلك ربما لحسن الحظ فالخليج منشغل اليوم بإطفاء النار التى تفننوا بإشعالها في المنطقة و وصلت شراراتها عباءاتهم مؤخراً .
بأختصار بات واضحاً بأن الشرق الاوسط الجديد سيكون تجزئةً للمجزء و تقسيم للمقسم ،فالدولة القطرية انتهت و ستصبح الدويلات بديلاً عنها و بحكم ذاتي في محاولة لإخفاء جريمة تسلط الاقليات على رقاب الاغلبية في المنطقة ، الغريب في الأمر أنه و بعد كل ما حدث و يحدث و سيحدث مازالت دول الخليج و على رأسها المملكة لم تعي بعد ما احدثته من دمار في المنطقة و لم تعي بعد بأن كأس التمزيق الذي سقته لدول كالعراق واليمن و ليبيا و سوريا ستشربه قريباً لا محالة ،لا عجب فالادارة الكارثية لحرب استعادة اليمن تؤكد ذلك.
الشرق الجديد قادم و سواده المذهبي و الطائفي الذي تأججه ايران بإذرعها في اليمن و لبنان و البحرين بل و حتى في المملكة نفسها مهما بلغ تضييق الخناق عليه هناك ، و عندها سيدرك العرب متأخراً كالعادة حقيقة "ما أمسى في دار جارك اصبح في دارك "
الأكثر قراءةً
الأكثر تعليقاً
-
سائق ينجو من الموت بأعجوبة بعد غارة أمريكية على طريق صنعاء-الحديدة!
-
"موجة بيع غير مسبوقة للعقارات في صنعاء.. هل هي مؤشر لانهيار وشيك؟"
-
"اليمن يفتح أبوابه للعالم: مطار دولي جديد يدخل الخدمة بعد عقد من التوقف"
-
"أطراف خفية تعرقل تحرير الحديدة بإشعال الفتن في الجنوب.. من المستفيد؟"
-
مراسل ل "ترامب": هل صحيح أنكم تراجعتم عن خطة إسرائيلية لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية؟.. شاهد رد الرئيس الأمريكي
-
مغتربون في ورطة.. هل يمكن لحاملي الجوازات السعودية العودة بعد السفر؟
-
"توجيهات تربك سوق الوقود في صنعاء.. والمواطنون في حالة ترقب"