(( النفعيون..ثعالب أم واقعيون؟ ))
الساعة 10:22 مساءً


-لاينكر عاقل أن حب الذات في  طلب جلب المنفعة لها، ودفع المضرة عنها، طبيعة وفطرة بشرية، بل وشريعة إلهية، فما شرع الدين إلا لحفظ مصالح الناس في دنياهم وآخرتهم(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً.. ) 
- لكن النفعية المشروعة مشروطة بأن تكون الأسباب مباحة غير ممنوعة، وان لايترتب عليها ضرر على النفس وعلى الآخرين؛ لمنافاة ذلك اخلاق وحقوق المؤمنين، : «مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمِهِمْ وتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى له سَائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والحُمَّى»متفق عليه.

- ويبقى خير الناس وصفوتهم وقدوتهم من لايكتفون بالعبادات القاصر أثرها على النفس كصلاة الجماعة والأذكار فالمتفرغون لها وإن كانوا عليها يؤجرون، لكنهم من العبادات والأخلاق التي يعم اثرها ونفعها كالبذل والتضحية مغبونون (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ)، وفي صحيح الجامع : (أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ -يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ- شَهْرًا) 
- بعض من هذه القدوات والدروس والدورات تنمي  وللأسف طبيعة الشخصية (النرجسية)، وهي الموغلة في الأنانية وحب الذات و عشق المال والشهرة والزعامة كما تنمي الشخصية (البراجماتية) وهي العاجزة عن التحكم في رغبات النفس لتحقيق مايمكن من كمال الاستمتاع واللذة.

-الشخصية النفعية الذرائعية المصلحية الوصولية نوع من النفاق الاجتماعي إذا لم تتعهد بالمحاسبة يمكنها ان تهدر الثوابت الدينية والوطنية إذا تعارضت مع مصالحها الشخصية، وقديما( أكثر الحسن البصري من التحذير من النفاق والمنافقين، فقيل له : ياابا سعيد، أفي البصرة منافقون؟ قال: لو خرج المنافقون من أسواق البصرة لاستوحشتم) اي لشعرتم بالوحشة والغربة ، وفي رواية:(لم يبق في البصزة احد)،  فإذا كان ذلك في زمن كبار التابعين، فلا عجب توافرهم في مثل وضعنا الأليم.

- طبيعة الشخصية النفعية حرباوية.. سريعة التقلب والتلون بتغير الأوضاع  ،  وهوى المتثعلب المتقلب دائما مع القوي المتغلب بعيدا عن المبادئ والقيم والثوابت الدينية والأخلاقية والوطنية.. بل تراهم يطوعونها حسب المصلحة الشخصية  فما اشبههم ب(ذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ). ظاهرهم بديع لكن باطنهم شنيع (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ).

 - وخطاب النفعيين غامض حمّال أوجه، وجوه اصحابه صفيقة و ابتسامتهم صفراء باهتة ، يتعاملون بمقتضى الجشع والإقصاء والانانية، ينظرون للناس بفوقية ودونية،.. يمسكون العصا من الوسط.. ليجعلوا لأنفسهم خط رجعة حتى لايحسبوا على فئة او احد حين تقلب الزمان ورجحان كفة الميزان يحاولون كسب رضا كل الأطراف المتنازعة المتناقضة و المختلفة والمتضادة في آن. 
إثبات ضدين معا في حال
 هذا لعمر الله من المحال
شتان بين الحالتين فمن يرم
 جمعا فما الضدان يجتمعان
والله مااجتمعا ولن يتلاقيا
حتى تشيب مفارق الغربان. 
أيها المنكح السهيل ثريا
 عمرك الله كيف يلتقيان
هي شامية إذا مااستقلت
 وسهيل إذا استقل يماني
- يغير النفعي موقعه من الإعراب والافكار بلا ضابط ولامعيار، ولذا فهو يتنقل من الاشتراكي الي المؤتمر الشعبي ومن مبدأ  وشعار( الوحدة او الموت) إلى( الانفصال او الموت)بهذا الاعتبار، وللانتماء القبلي و المناطقي تأثير في موقفه السياسي والفكري والعسكري فهو مع الشرعية او الانتقالي بحسب الموقع الجغرافي لا الموقف الشرعي.
وماانا إلا من غزية إن غوت
 غويت وإن ترشد غزية ارشد.
 
- وكون النفعي يمسك العصا من الوسط فهو يدعي او يتوهم الوسطية؛ كونها لاتشرع بين طرفين أحدهما حق والآخر باطل(ثُمّ جاءوك يحلفون بالله إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا)، فحاله كما قال الإمام البيحاني رحمه الله:
يدور مع الزجاجة حيث دارت
 ويلبس للسياسة ألف لبس
وعند الإنجليز يعد منهم
 وفي باريس محسوب فرنسي. 
يوما يمان إذا لاقيت ذا يمن
 وإن لقيت معديا فعدناني.

- وتبقى الآثار السيئة للثعالب النفعية محتملة مالم يتولوا القيادة؛ كونهم لايعملون على الإصلاح الحقيقي، فإذا اشتغلوا بالسياسة - وليتهم لايفعلون - كانوا مثل او أسوأ ممن كانوا يعيبونهم من الساسة (وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ)؛ ذلك لانهم يكرهون الظالم حسدا له، ولايتعاطون الظلم لعجزهم عنه(مُكرهٌ أخاك لابطل). 

- واخيرا فإن علاج هذه المشكلة الآفة الظاهرة ممكن من خلال العناية القصوى بحسن اختيار البيئةو الصحبة والعناية القصوى بإصلاح وسائل الإعلام والتربية والتعليم ومعالجة اختلالات مناهج بعض المربين او المدربين في مثل برامج التنمية البشرية والبرمجة اللغوية العصبية غير المؤسلمة والمتأثرة بالحضارة الغربية المادية والبراجماتية النفعية والذرائعية والوصولية والتي يسمونها زورا بغير اسمها حنكة ومرونة وواقعية ( وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ)، والتذكير بأن إتمام مكارم الأخلاق هي الغاية الأولى من البعثة النبوية وان الشريعة بما تضمنته من عقائد وأحكام إنما جاءت لتطهير النفوس من ادران الشح (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)
وجاء في صحيح مسلم( وَاتَّقُوا الشُّحَّ ، فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ ، وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ). 
إنارة العقل مكسوفٌ بطوع هوىً
 وعقل عاصي الهوى يزداد تنويرا.
ونعرذ بالله من فتنة القول بلا علم ولاعمل.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص

كاريكاتير

بدون عنوان