الحمادي والمجيدي وعهد تعز
الساعة 11:01 مساءً

منذ قام المُتسلطون بقتل النقيب عبدالرقيب عبدالوهاب، وسُحله في شوارع - صنعاء - المدينة التي دافع عنها «يناير 1969»، وتعز تواقة لبطلٍ مغوار يُعيد لها كبريائها، يعيد لها مجدها، وتاريخها المسلوب، حتى قام «الإماميون الجدد» بانقلابهم المشؤوم «سبتمبر 2014»، وبدأت جحافلهم المُتوحشة قفزاتها الجنونية من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب.

 

بتعالٍ فج، ونشوة «بردقان» عابرة، جاء هؤلاء إلى محرقتهم، إلى حتفهم، حسبوا أنَّ تعز سهلة المنال، ولقمة سائغة، وفاتهم أن أبنائها لم يعودوا رعية الأمس، حاملي المحراث، لقد تسلحوا بالعلم والمعرفة، وتفننوا في ترويض البندقية، كما تفننوا في ترويض القلم، أجادوا فن تصويبها فوق رؤوس الغزاة، دفاعاً عن الأرض، والعرض، وبات النصر خيارهم الوحيد.

 

قاومت تعز ذلك التوغل المُوحش بكل ما أوتيت من صمود، وقوة، وسطر أبطالها ملاحمهم البطولية بصبر وجلَّد، وبمعدات مُتهالكة، وإمكانات مُحدودة، وفاجأوا الأصدقاء قبل الأعداء بتكتيكات هجومية لم تخطر على بال أحد، ستُدرس مُستقبلاً في أكبر الأكاديميات العسكرية، وسيدون التاريخ تفاصيلها بأحرفٍ من نور.

 

العميد عدنان الحمادي واحدٌ من أبطال كُثر تصدروا المشهد، ولأنَّه كان أكثرهم إخلاصاً، وحباً لتعز، وعشقاً لترابها، وغير محسوب على أحد، رأى فيه التعزيون عبدالرقيب عبدالوهاب الجديد، أحبوه، تيموا به، تحدثوا عنه، وعن انتصاراته بفخر واعتزاز، تأملوا فيه الخلاص لهم، ولتعز، وللوطن، ولم يكونوا يتوقعوا أنَّ تكون نهايته كنهاية النقيب، بطل ملحمة «السبعين يوماً».

 

وكما حمل المقاومون السلاح للدفاع عن أرضهم، وعرضهم، حمل الصحفيون الأحرار أقلامهم للدفاع عن تعز، وعن أولئك الأبطال، كان الزميل عبدالعزيز المجيدي أحدهم، تعرفت عليه بداية الحرب الظالمة، وجمعتنا نقاشات حول تعز كقضية، وقدمنا ومعنا الزميل عبدالعالم بجاش مشروع من ست نقاط، عنوانه: «وثيقة العهد العام لتعز».

 

قلت حينها: مطلوب منا جميعاً أن نتحلى بقدر كبير من المُسئولية، وأن نترفع عن المهاترات الجانبية، وأن نسعى للم الشمل، ومطلوب ـ أيضاً ـ من قيادات الأحزاب، وجميع المكونات السياسية، والعسكرية، التوقيع على مشروع تلك «الوثيقة»، والالتزام بها، «الوثيقة» التي جاءت كمبادرة من صحفيين مُستقليين، آلامهم حال تعز، وحال مُقاومتها، فصاغوا مبادئها الستة، من أجل وحدة الصف، والكفاح التعزي.

 

للأسف الشديد لم تلق تلك المبادرة أية استجابة من قيادة الأحزاب العتيقة، ولو تم التوقيع عليها، والالتزام بها، لما وصلنا لما وصلنا إليه، ولأهميتها أعيد نشر بنودها هنا:

نحن أبناء تعز، وكل من ناضل معنا من أجل كرامة هذه المحافظة، نقسم بالله العظيم، وبالأرض التي تجمعنا أن نلتزم بالمبادئ الستة التالية: 

1- نعاهد بعضنا بعضاً، أحزاباً، وكيانات، وأفراداً، قادة ومواطنين، على الولاء المطلق لتعز، أرضاً وإنساناً، والتنازل عن ذواتنا الحزبية والفردية لصالح ذات تعز، ومصالحها العليا، وأهمها إنجاز عملية التحرير الشامل، وطرد آخر عنصر من ميليشيا الانقلاب من المحافظة.

2- نتعهد قادة ومواطنين بتجاوز أي خلافات من شأنها شق الصف في تعز، وعدم إثارتها إعلامياً، وحلها وديا ودون ضجيج، عبر قنوات السلطة المحلية.

3- قيادات تعز، سلطة محلية، مقاومة، عسكريون، أحزاب ومنظمات، يتعهدون لتعز وأبنائها بالترفع عن التنابز الإعلامي فيما بينهم، والامتناع عن إثارة أي خلافات ينشأ عنها بلبلة، تنعكس سلبا على روح تعز المقاومة، ووحدة النسيج الاجتماعي للمحافظة.

4 - نلتزم جميعاً أنَّ كل من يعمل بخلاف الهدف العام لتعز، أو تشتيتا لمساره الواحد من أجل التحرير الكامل، يمثل عدوا لتعز، نقف جميعا ضده، بما في ذلك أي انتهاكات أو أعمال نهب وسلب لممتلكات عامة أو خاصة، ونلتزم جميعا بإزاحة من يتورطون فيها، ومحاسبتهم.

5- نعاهد بعضنا بعضا أن نحمي تعز بالكلمة والبندقية، وأن تكون تعز بيتنا وحزبنا الكبير، حتى يتم إنجاز التحرير الكامل، وفرض الأمن والسلام بواسطة أجهزة الدولة، مُتحدين متكاتفين، قلبا واحدا، وروحا واحدة، وتحركا جماعياً واحدا.

6- نتعهد جميعا سلطة محلية، مقاومة، جيش وطني، واحزاب، برعاية أسر الشهداء، والعناية بالجرحى، وتكريمهم التكريم اللائق بتضحياتهم مادياً ومعنوياً، وتضمن تعز لعائلاتهم حياة كريمة، وملاحقة مجرمي الحرب، وجميع مساعديهم في العدوان على تعز.

 

كان عبدالعزيز المجيدي المُتبني الأول لتلك المبادرة، وكان - وما يزال - أكثرنا حُرقة على حال تعز، وخوفاً من المآلات الكارثية التي تنتظرها، واليوم وأنأ أرى بعض المُضللين يحشرون اسمه في اتهاماتهم الكيدية، وبأنَّه أحد المُحرضين على اغتيال البطل عدنان الحمادي؛ لأنَّه - فقط - كتب مقالاً ـ قبل فترة ـ انتقد فيه الأخير، تألمت كثيراً لذلك، وتألمت أكثر للحال الذي وصلنا إليه، خاصة وأنَّه ـ في الأول والأخير ـ صحافي، ومن حقه أن يكتب، والأسوأ أن تلك الاتهامات الهوجاء ستجعل منَّا ـ معشر الصحفيين ـ مُجرد مُحرضين.

 

ولأني أعرف «المجيدي» جيداً، وأعرف صدق نواياه، وحبه لتعز، وأنَّ كتاباته الناقدة طالت التحالف، والرئيس، وأصغر مسؤول في الدولة الهشة، ولم تستثني أحد؛ كتبت هذه السطور للدفاع عنه، وقلت في خاطري: ما أحوجنا في هذه اللحظة الحرجة أن نسموا فوق جراحاتنا، وأن نجعل من مصيبتنا محطة للمراجعة، وأن نعرف من المستفيد، أو من سوف يستفيد مما حدث، وأن نمشي على خطى الشهيد، حتى تحرير آخر شبر من هذه الأرض التي أحبها وأحبته.

 

أما آن الأوان لأبناء تعز المسكونين بأوجاعها أن يكملوا ما بدأه الشهيد عدنان الحمادي، وأن يستحضروا بنود تلك المُبادرة، وأن يلتزموا بها، ويتوحدوا جيعاً لمواجهة أعداء الدولة، أعداء الحياة، وأن يتحرر - أولاً وقبل أي شيء - من قابليتهم للفرقة والشقاق، عملاً بقوله تعالى: «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم»، فالتنازع بداية الفشل، والنصر التام لن يتحقق إلا بوحدة الصف، والاعتصام بحبل الله المتين.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص

كاريكاتير

بدون عنوان