إيران .. أربعون عاما من حكم الولي الفقيه " رؤية تقييميه "
الساعة 10:49 مساءً

مضت أربعة عقود منذ قيام الثورة الإيرانية التي أطاحت بنظام الشاه محمد رضا بهلوي في 12 فبراير شباط 1979م وجاءت بحكم " الولي الفقيه " فماذا الذي تغير في الداخل الإيراني وفي علاقاتها بمحيطها العربي والإسلامي وعلاقاتها الدولية ؟

وهل حققت تلك الثورة أحلام وتطلعات الشعب الإيراني ؟ وإلى أي مدى وأوفى قادتها بوعودهم التي قطعوها للجماهير التي تفاعلت معهم ؟

 تساؤلات تفرض نفسها بعد أربعون عاما من قيام الثورة الإيرانية التي مهد لها وأشعلها من منفاه في باريس المرجع الشيعي روح الله الخميني وعاد إلى إيران ليقود المرحلة الجديدة حيث دشن الخميني العهد الجديد بنوع من التنوع في الحكم حيث أستوعب التيارات اليسارية والليبرالية وكلف مهد با زركان بتشكيل الحكومة وتولى الرئاسة رفيق منفاه الشاب الليبرالي الحسن بني صدر .

 

• قمع للأقليات وتنكر للعهود 

 قائد الثورة الإيرانية الخميني كان قد قطع وعودا وتعهدات كبيرة للأقليات القومية في إيران مثل العرب والبلوش والكرد والتركمان والأذربيين حيث وعدها بمنحها الكثير من تطلعاتها ومطالبها مما دفعها للمشاركة الفاعلة في الثورة ضد نظام الشاه وقدم أبناء هذه الأقليات تضحيات كبيرة لكن تلك الوعود تبخرت بعد استتباب الأمر للخميني ورفاقه من الفقهاء الذين جعلوا المذهب الجعفري الإثناعشري المذهب الرسمي للدولة ولم يكتف الخميني بتجاهل الوعود التي قطعها للأقليات في إيران بل وتعرض المئات من الرموز والمشايخ والشخصيات المؤثرة في هذه الأقليات للسجن والإعدام بتهمة معارضة الثورة والخيانة العظمى والتآمر على النظام وغيرها من التهم ولعلها نفس التهم التي طالت حتى البعض من رفاق الخميني ومشايخه من مراجع الحوزة الذين أنقلب عليهم ونكل بهم كما طالت هذه التهمة الرئيس الإيراني الحسن بني صدر الذي وجد نفسه محاصرا بتهم كبيرة فتنكر بزي ضباط الجوية وفر بطائرته إلى باريس من حيث أتى بعد أن رفض الكويت استقباله . 

 

• تصفية التنوع وتكريس لحكم المرشد 

 

باختصار شهدت الفترة التي تلت الثورة الإيرانية اضطرابات وارتباك في المشهد السياسي وتولى روح الله الخميني السلطة الفعلية بصفته قائد الثورة و" الولي الفقيه " والمرشد الأعلى كما قام الخميني وأسس لنمط جديد واستثنائي من الحكم في إيران حيث يجمع المرشد الاعلى الكثير من الصلاحيات وينحصر التداول السلمي للسلطة في الرئاسة والبرلمان وبعض المؤسسات التي هي أيضا بيد المرشد بشكل أو بآخر . 

قام الخميني ورموز النظام الجديد بتصفية التنوع السياسي والمذهبي وإقصاء المعارضين من اليساريين والليبراليين لتتجه الأمور نحو تفرد الولي الفقيه بحكم إيران وتفرد المذهب الواحد مما أدى لظهور جماعات عنف كردة فعل أمثال " مجاهدي خلق " التي قامت بتصفية المئات من الجيش الإيراني كما طالت ضرباتها الرئيس محمد علي رجائي وحكومته وجمع كبير من المسؤولين الذي قضوا بانفجار تبنته " مجاهدي خلق " ولم يبق رجائي في الرئاسة سوى 28 يوما ليخلفه آية الله علي خامنئي وذهبت إيران إلى حرب طاحنة مع العراق استمرت 8 سنوات دمرت خلالها الكثير من البنية التحتية وأودت بحياة عشرات الالاف لتضع الحرب أوزارها بعد ثمان سنوات عجاف ليجد النظام في إيران أمامه الكثير من التحديات وآثار الحرب .  

 

• رفسنجاني وسياسة إعادة الإعمار  

 

لم يدم العمر كثيرا بالمرشد الاعلى روح الله الخميني إذ رحل بعد عام من توقف الحرب وحينها تم تعيين الرئيس علي خامنئي مرشدا جديدا لإيران وخلفه بالرئاسة هاشمي رفسنجاني الذي اتبع سياسة تضميد الجروح وإزالة آثار الحرب وإعادة الإعمار وأستطاع رفسنجاني تسديد فاتورة الحرب واعادة بناء البنية التحتية ومن وجهة نظري إن رفسنجاني هو أبرز الشخصيات الإيرانية التي أثرت بشكل كبير فهو رجل إيران في الأيام الصعبة بإجماع النخبة الإيرانية وبعد فترتين من الحكم عاد رفسنجاني إلى المعارضة الإصلاحية وتولى مجمع تشخيص مصلحة النظام وخلال فترة حياته ظل شخصية محورية ومؤثرة ولها ثقلها بل هو من أصر على ترشيح خامنئي خليفة للخميني رغم انه لم يكن من المراجع العلمية البارزة وقام بتعديل الدستور ليتم إزالة شرط المرجعية من شروط تولي منصب المرشد ومدد فترة المرشد من عشر سنوات إلى مدى الحياة وحين توفي رفسنجاني خسر التيار الإصلاحي الإيراني الكثير برحيله . 

 

• خاتمي وسياسة الانفتاح  

 

بعد فترة البناء وإعادة الإعمار جاءت سياسة الانفتاح في عهد الرئيس المثقف محمد خاتمي الذي تولى الرئاسة في مايو أيار 1997م حيث اتبع الرئيس المثقف القادم من وزارة الثقافة والإرشاد سياسة انفتاح على المحيط الإقليمي والدولي وحاول فتح المجال أمام المزيد من الهامش الديمقراطي وحرية الصحافة وحاول إدخال المزيد من الإصلاحات الديمقراطية وتحسين الأوضاع الاجتماعية وتكريس سيادة القانون وتعزيز الحقوق والحريات ولكنه اصطدم بمؤسسات الدولة العميقة والتابعة للمرشد الأعلى خامنئي والتي تغول فيها الفساد وحاول خاتمي وجمهوره من الإصلاحيين مواجهتها ولكنه خسر المواجهة ، لم يكن خاتمي يمتلك سوى منصبه المجرد من الصلاحيات وجماهير الشارع التي ساندته بقوة بينما أمتلك خصومه كل شي ، حارب خاتمي بكل قوة خلال فترتي حكمه حتى رحل عن السلطة إلى صفوف المعارضة الإصلاحية . 

حاول خاتمي كذلك تحسين العلاقات الإيرانية مع الدول العربية وانتهاج سياسة المصالحة معها وزار خاتمي بعض الدول العربية وعلى رأسها السعودية التي زارها في 11 سبتمبر أيلول 2002م بعد أن استقبل وزير خارجيتها سعود الفيصل قبل شهر محاولا إذابة جليد القطيعة والعداء بين البلدين .  

 

• نجاد والعودة إلى حكم الحرس الثوري 

 

  انتهت فترة خاتمي التي خاض خلالها حربا ضروسا لتوسيع الهامش الديمقراطي وتعزيز الحقوق والحريات في إيران ليخلفه في الرئاسة الضابط القادم من الحرس الثوري أحمدي نجاد والذي اتبع سياسة مغايرة لسياسة سلفه حيث اتبع سياسة متشددة مع المحيط الإقليمي والدولي وأعطى الحرس الثوري ميزانية كبيرة وصلاحيات واسعة وفي عهده تغول الحرس الثوري في مؤسسات الدولة وأستحوذ على الكثير من الأنشطة الاقتصادية في إيران ، عرف عن نجاد مهاجمته لأمريكا والغرب ونزعته الشيعية الأيدولوجية وفي عهد نجاد انطلقت الحركة الاحتجاجية الشهيرة " الحركة الخضراء " التي قادها مير حسين موسوي ومهدي كروبي وقد استمر الشارع الإيراني بحالة غليان لعدة أشهر وقتل وجرح المئات من المحتجين وسادت أجواء من القمع والاضطهاد بحق الناشطين والمعارضين وأطلق نجاد الضوء الأخضر لتخصيب اليورانيوم وتسريع وتيرة الانجاز في البرنامج النووي كما قام نجاد بزيارة لمصر في 6 فبراير شباط 2013م في عهد الرئيس محمد مرسي رئيسا لوفد بلاده المشارك في قمة عدم الانحياز التي انعقدت حينها بالقاهرة ورغم انتماءه للطبقة الفقيرة فلم يحقق للفقراء الكثير وبعد انتهاء فترة رئاسته عاد ليوجه لقيادة النظام الحالي اتهامات قاسية . 

 

• روحاني المحاصر بالعقوبات والتحديات 

 

لم يمتلك الرئيس الإيراني الحالي انفتاح خاتمي ولا تشدد نجاد ولا كاريزما الخميني إذ أنه خليط من كل هؤلاء لكن فترته أهدأ من فترة نجاد لكنه رغم أنه محسوب على الإصلاحيين لم يحقق الكثير لجمهوره إذ ما تزال الاجواء التي سادت خلال فترة نجاد سائدة اليوم في كثير من الجوانب فالرئيس روحاني كغيره ممن سبقوه في ال رئاسة يفتقر للصلاحيات التي هي في أغلبها مكرسة بأيدي المرشد الأعلى ولذا يواجه روحاني الكثير من تحديات الداخل والخارج حيث ألغى الرئيس الأمريكي ترمب الاتفاق النووي الإيراني وفرض المزيد من العقوبات على إيران مما ضاعف من التحديات خاصة في المجال الاقتصادي رغم محاولة النظام الظهور بمظهر الصامد حيث يحاول الاحتفال بمرور أربعين عاما من الثورة الإيرانية بافتتاح مشاريع تنموية واستثمارية كما يحاول النظام الإيراني تجاوز آثار العقوبات الأمريكية والالتفاف عليها ومعالجة التدهور الكبير في الاقتصاد الإيراني الذي يواجه أسوأ حالاته وقد حقق بعض النجاح في هذا الجانب لكن التحديات لا تزال كبيرة والفساد تغول في مؤسسات الدولة وصار مكتب المرشد الراعي الأبرز للفساد بحسب اتهامات قيادة المعارضة إضافة إلى اتهامات الروؤساء السابقين من الحسن بني صدر إلى أحمدي نجاد كما تواجه عزلة كبيرة في محيطها ومشاكل داخلية وخارجية مرتبطة بسياسة النظام الداخلية والخارجية . 

 

• نجاحات محدودة وتحديات اكبر 

 

الإنصاف يقتضي القول بأن النظام الإيراني رغم العقوبات الدولية والخروج الأمريكي من الاتفاق النووي ومقاطعة كثيرا من الدول العربية إلا أنه حقق انجازات في مختلف المجالات إلا أنه فشل في تعزيز الحقوق والحريات والأجواء الديمقراطية والنهوض بالجانب الإقتصادي حيث ما تزال البلاد تعيش تحت وطأة أزمة اقتصادية خانقة .

أستطاع النظام الإيراني الذي تبنى سياسة تصدير الثورة ودعم المظلومين والمستضعفين ضد المستكبرين ونصرة القضية الفلسطينية أن يمد نفوذه الإقليمي إلى محيطه العربي والإسلامي حيث يعتبر حزب الله في لبنان وحركتا حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين وجماعة الحوثي في اليمن وحركة الوفاق في البحرين حلفاء للنظام الإيراني في المنطقة كما انفردت إيران بعلاقات استثنائية قوية مع سوريا وسلطنة عمان ولكن الإشكالية أن النظام الإيراني تبنى عسكرة الأقليات الشيعية في المنطقة وحاول دعمها وتوجيهها للاستحواذ على السلطة والهيمنة على القرار السياسي في بلدانها بوسائل غير مشروعة عبر الفوضى والعنف وعلى حساب استقرار وأمن هذه البلدان ومصالح أبناءها كما حدث في اليمن حيث دعمت إيران مليشيا الحوثي للانقلاب على السلطة وكما يحدث مع حزب الله في لبنان وهنا خسرت إيران الشارع العربي الذي ينظر لها كعدو يصدر المشاكل والعنف والفوضى .

كسبت إيران كثيرا برحيل نظام صدام حسين على أيدي جنود الاحتلال الأمريكي للعراق والذي تم بالتنسيق معها حيث هيمنت على العراق واستحوذت على قراره السياسي والاقتصادي واسست العشرات من الفصائل المسلحة وحولته إلى خلفية لها كما تمددت في سوريا حيث وقفت مع نظام بشار الأسد وكبلته مؤخرا باتفاقات تضمن بقاءها لأمد طويل في سوريا وتعويض خسائرها وتضحياتها وتحقيق أكبر قدر من المزايا والمكاسب كما حاولت إيران عبر مؤسسات مذهبية شبه رسمية اختراق الكثير من البلدان العربية والأفريقية وضمان ولاءها السياسي والاقتصادي وحققت نجاحات محدودة في هذا المجال . 

 

• ما الذي تحقق بعد 40 عاما من الثورة ؟ 

 

بعد 40 عاما من الثورة في إيران حقق النظام الايراني بعض النجاحات والانجازات على صعيد الداخل أبرزها تحقيق الإستقلال في القرار السياسي كما حقق النظام نجاحات في المجال العسكري وفي مجال الصناعات العسكرية وغيرها من الصناعات ومد النفوذ الإقليمي ورسخ علاقات متميزة مع كثير من بلدان العالم ولكنه فشل في تحقيق الاستقرار الإقتصادي للشعب الإيراني ناهيك عن تحقيق الرفاهية والتنمية كما تراجع الهامش الديمقراطي وتضاءلت الحقوق والحريات كما ما تزال الأقليات القومية تعاني القمع والإقصاء والتهميش ، كما خسر النظام الرأي العام العربي والإسلامي رغم دعمه الدعائي للمقاومة الفلسطينية وتصريحاته ضد أمريكا واسرائيل كما بهت الترحيب العربي والإسلامي بالثورة الإيرانية بعد أن كشر النظام عن وجهه المذهبي وإقصاءه للمخالفين له وتوجهه لعسكرة الأقليات الشيعية ودعمها ضد استقرار بلدانها .

 النظام الإيراني ما يزال محاصرا بعقوبات دولية وضغوط اقتصادية وأمامه الكثير من التحديات والعقبات أبرزها على مستوى الخارج العقوبات الأمريكية وأبرزها على مستوى الداخل تفرد مكتب المرشد الأعلى علي خامنئي بالسلطات وصناعة القرار مما يعيق أي محاولة رئاسية للتغيير الإيجابي .

 

* باحث متخصص في الشأن الإيراني

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص

كاريكاتير

بدون عنوان