أمراض التفكير في اليوم العالمي اللغة العربية
الساعة 01:31 مساءً

.كنت في منشور سابق قد تحدثت عن الأساطير والخرافات المنتشرة بيننا اليوم حول اللغة العربية، والتي يتم ترديدها خاصة عند الإحتفال باليوم العالمي لها.
خرافات كثيرة، من امثال انها أقدم اللغات وأم اللغات جميعها، وانها تحتوي على أكبر عدد من المفردات(12 مليون مفردة)، وانها لغة أهل الجنة، وأنها لم تتطور مثل بقية اللغات بل أنزلها الله و"فتق" لسان اسماعيل بها... الى آخر الأساطير التي يتم ترديدها في نفس اليوم من كل سنة.
وهنا لن اكرر نقدي لهذه الخرافات بقدر ما ساستغلها من أجل تسليط الضوء على عدد من أمراض التفكير المنتشرة في البيئة العربية.
1) المرض الأول هو إستمرار العقلية الخرافية في فهم الظواهر. فالعالم اليوم أصبح واعيا باساسيات علم اللغة. ويدرك جيدا ان اللغات لم "تُخلق" ولكنها تطورت عبر الزمن ابتداء من الإشارات والاصوات البدائية واللغات البسيطة وصولا الى اللغات المعقدة والقادرة على التعبير عن الوقائع والمجردات.
لكن العقل العربي للاسف لا يزال بعيدا عن العلم بكافة مجالاته، جاهلا باساسيات العلم. وأغلبه لم يقرأ  سطرا في علم اللغات،  ولو قرأ لعرف استحالة ان تكون العربية أم اللغات او اقدمها لأنها لم تظهر قبل القرن الخامس بعد الميلاد.
هذا الجهل يمتد الى العلوم الأخرى أيضا كعلوم العقائد والبيولوجيا والفيزياء والاجتماع...الخ.
2) المرض الثاني هو الخلط بين الديني والدنيوي. وهو عيب شائع في التفكير العربي عموما. فكل شيء يتحول الى "مقدس"... اللغة والزي والأماكن وطريقة البناء. اللغة العربية ليست لغة قابلة للنقد والتطوير انها مقدس.  لغة الدين ولغة الإله واي انتقاد لها هو هجوم على الدين.
الفقيه مقدس والزعيم مقدس وكذلك قواعد النحو والصرف والحروف والهمزات والتشكيل.. تديين اللغة وتديين السياسة وتقديس الدنيوي.
لهذا فالدين عندنا ليس دينا فقط، بل دين ودولة وهوية.  واللغة ليست لغة فقط بل لغة واثنية وهوية وامن قومي! 
3) المرض الثالث هو ترديد الشائعات دون تدقيق مهما كانت الشائعة منافية للعقل. مثل القول إن في العربية 12 مليون كلمة. وهي شائعة من السهل دحضها لأنه لا يوجد أي قاموس عربي مكتوب يحتوي على أكثر من 80 ألف مفردة،  ولأن هذا العدد الضخم من الكلمات غير مطلوب ويتجاوز عدد الأشياء والأفكار التي تحتاج لتسميات ومفردات.
4) المرض الرابع هو التفكير النرجسي. فنحن لا نشك أدنى شك أن العربية أعظم لغة وارقى لغة وأجمل لغة. انها بالنسبة لنا اللغة التي لا تشيخ ولا تتغير ولا تتراجع. اللغة الأجمل والادق والأشمل.  والحقيقة أن اللغة لا تكون عظيمة ولا حقيرة، ولا تكون جميلة ولا قبيحة (كل اللغات جميلة بقدر قدرتها على التواصل والايضاح). انها مجموعة من الرموز والمواضعات طورها البشر عبر آلاف السنين بغرض التواصل ونقل الأفكار. هذا التفكير البدائي أشبه بالفكر الخيميائي الذي كان يرى ان هناك معادن راقية ومعادن وضيعه. بينما كلها معادن تتحدد قيمتها حسب توافرها واستخداماتها.
وللأسف اللفة العربية متأخرة مقارنة ببقية اللغات فيما يتعلق بتطورها ومساهمتها في العصر.
السبب الرئيسي وراء هذا التفكير المزعج هو التضخم النرجسي الجماعي.. تضخم يحجب أبسط ايش التفكير العقلي السليم. وسبب هذا التضخم ليس قناعتنا الداخلية بعظمة اللفة العربية، بل احساسنا المخفي أنها تصارع من أجل البقاء في عالم يتحدث وينتج ويخترع وبتفاوض ويتواصل بلغات أخرى.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص

كاريكاتير

بدون عنوان