مصرع الابتسامة !
الساعة 01:01 مساءً

قالوا : إنه فتى لا يشيخ !، وقالوا : لن يصل الشيب رأسه !، ولا يَصدُق القبيلي حين يدّعي الحكمة أو يضرب الغيب، فكل مستمسك قبضوه عليّ أنهم وجدوني مبتسمًا .. دائم الإبتسام !، وحَكَموا أن هذا الفتى الممسوس بالسعادة - غير المبررة - صاحب قلب بارد لن يعتريه همّ أو يكويه غمّ !

جارنا العجوز كان شرسًا في السبعين، وإبنه عاق وفاشل ، ذات يوم قضم الرجل أذن إبنه في اشتباك عنيف على باب منزلهم، ضربات الجسدين معًا على الجدار والنوافذ والصيحات المكتومة وأذرع متشنجة تحيط ببعضها، وكنت هناك صدفة شاهدًا على ملامح رعب الولد المسكين، جلست على مصطبة دارنا أقضم عود ذرة مبتسمًا كمن يتابع فيلمًا لحبيبين إلتحما في لحظة حب ساخنة !

في نهاية المشهد، ظهر وجه الأب مكشرًا عن أسنان تقطر دمًا، وفمه يبصق قطعة لحم صغيرة، وإبنه قابض بكفه على إذنه يصيح ملتاعًا، ينسحب على ركبتيه مهزومًا خائفًا، ويولّي هاربًا، تلاحقه شتائم أبيه "مصاص الدماء". يومها شرحت كل شيء لأمي، وكنت أضحك، وهي واقفة تنشر حبل الغسيل على سطح منزلنا الترابي، أؤدي بإتقان دور الأب والإبن في معركتهما الصغيرة.. وأضحك بإفراط، سعيدًا بكل تلك المشاهد التي تؤذي مشاعر أي طفل، ولم أكن كأي طفل !

يوم ماتت حماتي، وصلت منزلهم متعجلًا، وجُعِلَت زوجتي تولول وتلطم وجهها على أمها الطيبة الحنون، وألفاني شقيقها لدى الباب متسائلًا : لِمَ تبتسم ؟، شعرت أنه قبض عليّ متلبسًا ! .

يوم ماتت أمي، كُلِفت بمهمة شراء حاجيات غداء العزاء، وفي عتبة السوق المركزي إلتقيت صدفة بمدير شرطة المرور، فأقبل يصافحني مُعزيًا وقد سمع بوفاة أمي، استقبلته بوجه باش وابتسامة واسعة، وأظنه إندهش، لمحت ذلك في عينيه، ولم أكن مضطرًا لإعلان حُزني، ولمّا وَصَلتْ ميتة من صنعاء، احتضنتها وتفجّرت دموعي، بكيت بهسيتيرية أزعجت والدي، فنهرني، ولم أحفل به، لا أتذكر ما قاله لي، فقط كُنت أبكي، تدفق حزني الخفيّ من أعماقي، من كل خلية، وأنبجس من عينيّ شلالًا هادرًا .

حين دفنت أمي، كان جفني متورمًا، وإحمرار صاخب يكسو ملامحي، استقبل المعزين على قارعة القبر مثل مخمور . فقدت الإبتسامة، وظللت أحنو على قبرها كل صباح، حتى فارقته مكرهًا

هذا المساء .. كُنتُ قد هجرت الحلاقة منذ أيام، حين رأيت وجهي في المرآة، كان الشيب يغزوني كما فعل #الخوثي بصنعاء ليلة الحادي والعشرين من سبتمبر المشؤوم، سَقطت الوزارات وخان الجيش، أنا ايضًا تعرضت لذات الخيانة، حين أعلنت الخلايا الصبغية في شعري التحوّل إلى اللون الأبيض، وقد فَقَدتْ عضلات وجهي ذاكرتها على الإبتسام .

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص

كاريكاتير

بدون عنوان