يعد الرئيس السوداني الأسبق المشير عبد الرحمن سوار الذهب رحمه الله ( 1934م - 2018م ) من أكثر الشخصيات السودانية والعربية شعبية ومصداقية فقد دخل التأريخ من أوسع أبوابه عندما تخلى عن السلطة بعد عام واحد من الحكم وسلمها للشعب السوداني بكل هدوء وسلمية في زمن كان البيان الأول للانقلابات العسكرية يكتب على ظهور الدبابات ويتشبث العسكر بالسلطة ولا يفصلهم عن كرسي الحكم إلا الموت أو انقلاب عسكري آخر .! سوار الذهب زهد في السلطة وتركها وعاد ليخدم الناس في إطار " منظمة الدعوة الإسلامية " التي توسعت أنشطتها في عهده فغدت المنظمة السودانية الوحيدة التي حملت إسم السودان الحضاري والمشرق في الجانب الإنساني في الكثير من دول قارة أفريقيا حيث وصل عدد فروع ومكاتب الدعوة إلى 41 فرعا ومكتبا في عشرات الدول فضلا عن الآلاف من السودانيين الذين استفادوا من جهودها الخيرية والإنسانية ولكن من المؤسف أن القيادات العسكرية في السودان والتي ركبت موجة الثورة ورفعت شعارات السير على خطى سوار الذهب قاموا بالأمس بإغلاق " منظمة الدعوة الإسلامية " في الخرطوم ومصادرة مقرها وممتلكاتها بدعوى أن فيها فساد وأنها كانت دولة داخل الدولة وغيرها من الاتهامات ودعونا نفترض جدلا أن هناك فساد داخل المنظمة - إن صحت تلك الاتهامات - فهل الحل هو إغلاق هذه المنظمة ومصادرة ممتلكاتها أم بتقديم ملفات الفساد للقضاء لمحاكمة من تورطوا فيه محاكمة عادلة ونزيهة وتعيين مجلس إدارة جديد من شخصيات نزيهة ووطنية لتستمر المنظمة في خدمتها لأبناء السودان ؟! أنهم بهذه الخطوة وغيرها لا ينقلبون على نهج سوار الذهب فحسب ولكنهم يسيئون لهذا الرجل العظيم في قبره ويجعلون الناس يترحمون على عهد البشير وأيام حكم " الكيزان " رغم اخطاءها وما فيها من فساد وقصور كما ترحم الناس في اليمن على عهد الرئيس الراحل علي عبد الله صالح . أبناء السودان هم من سيتضرر ويخسر من توقف أنشطة مثل هذه المنظمة الرائدة أما منظمة الدعوة التي لها سمعة دولية طيبة وهناك الكثير من الداعمين وفاعلي الخير من يثق بجهودها ويدعمها فستنقل مقرها لخارج السودان وتواصل جهودها في خدمة الناس . يظن القائمون على السلطة اليوم في السودان أنهم بخطوة كهذه سيرضون الإمارات والسعودية وأمريكا وإسرائيل ويؤكدون لهم أنهم يحاربون التيار الإسلامي " الكيزان " وأنهم يستحقون دعمهم ورضاهم لكنهم في الحقيقة يخسرون الشعب السوداني الذي كذبوا عليه ووعدوه بالتنمية والرفاهية وبتقديم الخدمات ومحاسبة الفاسدين وغيرها من الوعود التي تبخرت وذهبت كوعود الكثير من المرشحين في الانتخابات في العالم العربي وعندما يفوزون في البرلمان أو في المنصب يختفون عن الأنظار ويبدأون بتكوين أنفسهم وترتيب وضع أولادهم.!! متى سيدرك هؤلاء أن سياسة السعودية والإمارات هي الغدر بالحلفاء وضرب الأصدقاء وإهانة الوكلاء بعد تحقيق مصالحهم وهل يحتاجون لنماذج وأمثلة كثيرة تؤكد ما نقول وهي أكثر من ان تحصر ؟! متى سيدكون ان أمريكا لا تريد إلا تحقيق مصالح إسرائيل وأمنها في المنطقة وإسرائيل لا تريد خيرا لأي بلد عربي وأن الأمريكان لن يرضوا عن السودانيين ما دام الأذان يرتفع من مساجدهم ويذكر فيها اسم الله وان المتغطي بالأمريكان عريان وخسران ؟! هناك إجماع على أن نظام البشير لم يحقق لأبناء السودان ما كانوا يطمحون إليه من تنمية ورفاهية وخدمات وأن الكثير من رموزه وقياداته تورطت في ملفات فساد وهذه حقيقة ولكن الوضع في السودان الآن وللأسف يسير من سيئ إلى أسوأ وقيادات سلطة الأمر الواقع في السودان اليوم لا تختلف كثيرا عن رموز وقيادات نظام البشير إن لم تكن أكثر فسادا منها وأضف إلى هذا فهي سلطة تمارس بالتطبيع مع إسرائيل وتحاول إرضاء الإمارات والسعودية وأمريكا على حساب كرامة وسيادة السودان وقد عجزت عن الوفاء بالتزاماتها وتحقيق وعودها لأبناء السودان حيث تحولت إلى سلطة مكرسة للانتقام من الإسلاميين " الكيزان " وحتى هذا الانتقام ليس بأسلوب دولة فيها محاكمات عادلة ونزيهة للفاسدين وإنما بالنهب والمصادرة وإغلاق الأنشطة الإسلامية حيث تعمل كوكيل لجهات خارجية ليس إلا ولو أنهم يريدون الخير للشعب السوداني لنظموا انتخابات رئاسية وبرلمانية نزيهة ومن يختاره الشعب يحكم سواء من الكيزان أو من الثوار أو من اي قوى سلمية أو جهات سياسية سودانية ولكنهم سيتمسكون بالسلطة بشتى الذرائع والأكاذيب ولن يسلموها للمدنيين لأنهم لا يمتلكون قرارهم وسيواصلون التخبط والفشل وإطلاق الاتهامات والوعود حتى يضيق الناس من وعودهم بعد أن عرفوا مدى فشلهم وقد خرج أبناء الخرطوم قبل أيام في مظاهرة حاشدة ضد فساد السلطة واكاذيبها وممارساتها وهناك مظاهرات حقوقية في ولايات مثل كسلا وغيرها وسوف تتواصل هذه المظاهرات فالشعب السوداني الذي صبر وتحمل كثيرا لا يمكن أن يقبل ببقاء هؤلاء ولن يستمروا في الكذب عليه تحت لافتة " محاربة الكيزان " بينما هو لم ير اي تغيير إيجابي وحقيقي فالسودان اليوم يغرق في مشاكله وتتدهور الأوضاع فيه من سيء إلا أسوأ في كل المجالات للأسف . الشعب السوداني لم يخرج بتلك الثورة السلمية لكي تأتي سلطة تحارب التعليم الشرعي وتغلق الإذاعات الإسلامية وتلغي تدريس القرآن في مدارس رياض الأطفال وتصادر المنظمات الخيرية الإسلامية فالشعب السوداني شعب مسلم ومشكلته لم تكن مع الإسلام والأنشطة الإسلامية بل كانت وما تزال مع الفاسدين من اي جهة كانوا وهذه السلطة التي تحاول إرضاء الإمارات والسعودية وأمريكا وإسرائيل وتتجاهل المطالب الحقيقية للشعب السوداني وأهداف ثورته وتضحيات شبابه سوف يتجاوزها أبناء السودان قريبا ويثورون عليها ثورة تصحيحية تأتي بقيادات وطنية نزيهة تنهض بواقع السودان وتحقق التنمية والرفاهية وتنتشل هذا البلد المليء بالخيرات والموارد من أزماته وتحدث فيه التغيير المنشود والأيام بيننا .
الأكثر قراءةً
الأكثر تعليقاً
-
سائق ينجو من الموت بأعجوبة بعد غارة أمريكية على طريق صنعاء-الحديدة!
-
"موجة بيع غير مسبوقة للعقارات في صنعاء.. هل هي مؤشر لانهيار وشيك؟"
-
"اليمن يفتح أبوابه للعالم: مطار دولي جديد يدخل الخدمة بعد عقد من التوقف"
-
"أطراف خفية تعرقل تحرير الحديدة بإشعال الفتن في الجنوب.. من المستفيد؟"
-
مراسل ل "ترامب": هل صحيح أنكم تراجعتم عن خطة إسرائيلية لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية؟.. شاهد رد الرئيس الأمريكي
-
مغتربون في ورطة.. هل يمكن لحاملي الجوازات السعودية العودة بعد السفر؟
-
"توجيهات تربك سوق الوقود في صنعاء.. والمواطنون في حالة ترقب"